وجهة نظر


في عودتي من عملي إلى المنزل، مساء أحد الأيام، قابلني أحد الزملاء، وصاحبني في طريق العودة، وصار يتحدث ويفتح الأحاديث في مواضيع كثيرة عن الظروف السيئة والبلاد الفاسدة، وعن ظروفه الشخصية القاهرة، وحالته السيئة، وكان هذا الشخص قد تكررت مرات رسوبه في الدراسة الجامعية، مما جعلنا جميعًا نسبقه في سنوات الدراسة، وحصلنا على شهاداتنا الجامعية والتحقنا بالأعمال، وهو مازال في دراسته الجامعية، مما جعل مُعظمنا يُشفق عليه وعلى ظروفه، وفي الطريق، عندما مررنا أمام أحد أقسام الشرطة، بدا صاحبي يتلفت يمنةً ويسرة، وكأنه مُذنب ارتكب جُرمًا! ورجاني أن أُصاحبه لزيارة بيت أقاربه المقابل تمامًا لمركز الشرطة، لأنه خجلان من الزيارة وحده كما قال! وعندما عبرنا الطريق لهذا العقار، قابلنا عند مدخل بناية أقاربه، شابان عريضا البنية، وذوا أجسام قوية، وقال أحدهم: تفضّل يا أستاذ.. الدور الثاني شقة رقم 5 يمين!

ولم نرد، وسألت زميلي، الذي دخل سريعًا متربصًا! أتعرفهما!؟ ولم يرد هو الآخر، وصعدنا للدور العلوي، وقد وجدتُ منظرًا لم أره في حياتي، إلا في الأفلام السينمائية! حيثُ وجدت تلك الشقة التي وصفها الشاب المرشد بالأسفل، يقف أمامها زحام وطابور من الشباب والرجال متوسطي الأعمار وبعض النساء، وطالعتُ على باب تلك الشقة المقسوم إلى نصفين، نصفه العلوي زجاج سميك، وتتوسطه فتحة كبيرة، وكأنه أشبه بخزينة الصرّافين، ويتحدث خلفها بائع يأمر وينهي، ويتحدث بحدة مع الجميع، وظننته يبيع السكر والشاي والحلويات وغيرها، واعتقدت أن زميلي سيأخذ زيارة من هذا المحل لأقاربه، وطالعتُ أكثر فإذا بالداخل أناسُ يقطّعُون ويغلّفون ما لَذ وطاب من الممنوعات، التي لم أرها في حياتي إلا في تلك المرة!! لم أتمالك نفسي، وحاولتُ الهروب مسرعًا، واعترضني أحدَهم وكان عريض الجسم أيضًا، وأمسك بي، وقال: من بخلف تلك النافذة؟ -بصوتٍ عال- أهوَ مرشد؟! صاح زميلي: لا..لا والله.. إنه فقط آتٍ معي، وسأله الآخر: أنت من طرف من؟ قال له اسمًا لا أعرفه، واطمأنوا جميعًا وعادوا إلى أعمالهم! ومال عليّ زميلي الفاشل وقال: كُن طبيعيًّا ولا تخف، إنهم أناس لا يَرحمون! وتمالكت نفسي حتى خرجت من ذلك العقار المريب المشبوه، وفككتُ من زميلي بسرعة البرق! وبذلك يكون في اختيار تلك الأوكار المشبوهة مواجهة لأقسام الشرطة مواقع إستراتيجية، وأمرًا فيه الطمأنينة والحماية في الوقت نفسه، حيثُ يجعل تلك البيوت المُريبة تحت أعين قوات الأمن في أي لحظة!!!