mena-gmtdmp

الإعلام والحاسة السادسة

رحاب أبو زيد
الإعلام الذكي -قياساً على الهاتف الذكي- لا يعتمد على الشهادات العليا، ولا يحتاج إعلامياً موهوباً إلى أعلى الشهادات؛ ليتألق ويبرز بوسيلته الإعلامية، هي هبة من الله قبل أن تكون دراسة وأبحاثاً تصقل القدرات، وتنمّيها إلى الأفضل فالأفضل، الإعلامي الذكي «يشمّ» رائحة الخبر ويستخرجه من الخبر! ما نسمعه في النشرات، وما نقرأه في الصحف يومياً تقول شيئاً، بينما للإعلامي حدس آخر يستطيع في ناظريه نوراً ليرى ما وراء السطور، والإعلامي الذكي أيضاً هو من يجيد لعبة التركيز، ولعبة التركيز هذه تعتمد في المقام الأول على الحدس، ثم على المتابعة الحثيثة، وبالتالي يستطيع تحديد الأولويات وما يستحق تسليط الضوء، وما يمكن تأجيله إلى أجل مسمى، وهذا ما يحدد عناوين الصفحات الأولى، والخطوط الحمراء العريضة على شاشات التلفزة، الحدس وحده فقط هو ما يحدد الصياغة، فجميع القنوات والمنابر الإعلامية تتلقى من وكالات الأنباء الأخبار نفسها بأسلوب موحّد على الأغلب، لكن الوسيلة الناجعة من تستقصي وتتحقق وتبحث عن الخبر الأصلي، وتعيد صياغته بما يستوجب اهتمام المشاهدين والقرّاء، منذ مدة شاعت في تويتر، كأحد منابر التواصل الإعلامي والاجتماعي اليوم قصة فتوى أحد الشيوخ بعدم جواز المحادثة بين الجنسين عبر الإنترنت! كما انتشرت أخبار مسيئة لعضوة مجلس شورى تشكك في شهاداتها العلمية على إثر رغبة إحدى السيدات في الانتقام منها، والكثير الكثير من الأنباء التي تشغل الناس وتحاول جاهدة تحريض البعض لصنع رأي عام، وسواء كان ذلك وسيلة إلهاء عن أنباء أكثر أهمية، أو سواءً كان لمجرد ملء الفراغ والصفحات الصفراء على المواقع الإخبارية على النت، لا ينبغي للإعلامي الذكي إعطاءها أهمية قصوى تفوق في الواقع أهميتها لدى أصحابها، اليوم أصبح الشخص المسيء لا يحتاج لمساعدات للتهجم على أحد، أو لإحداث زوبعة لغط، يكفيه أن يسرّب أقواله الغريبة لجهة إعلامية تتكفل عنه بصناعة أجواء الإثارة والشهرة المرجوّة، ولو تأملنا حال بعض الصحف الرقمية اليوم نجد أن العملية إما أن تتم عن جهل أو عن قصد لتجهيل الناس، وتعويم الأهم فالمهم، والأقل أهمية، ما يؤكد أن إتقان مَهمة الإعلام ممارسة مخلصة وعميقة، إلى جانب كونها أسساً ونظماً وأهدافاً، وبعيداً عن احتمالات تغذيتها لأيديولوجيات معينة أو مصالح شخصية