حقيقة المغني الأوبرالي

أميرة سليم
أميرة سليم
أميرة سليم

ليس كل من يُلقب مغني أوبرا هو بالفعل مغني أوبرا، وليس كل من يغني غناء كلاسيكياً غربياً أو بتقنيات المدرسة الأوبرالية هو مغني أوبرا، وليس كل من يغني مع أوركسترا، هو مغني أوبرا، وليس كل من يغني في حفل في دار أوبرا هو مغني أوبرا، وليس كل من اشترك في مشاريع هواة أو عروض طلبة هو مغني أوبرا، والقائمة طويلة.

هو لقب يُكتسب بناءً على معايير ومقاييس وعناصر كثيرة... مغني الأوبرا الحقيقي هو من درس تقنيات الغناء الأوبرالي، وتاريخ ونظريات الموسيقى الكلاسيكية وقواعدها، وكل ما يخص ثقافة الأوبرا وتاريخها، ومنها دراسة مراحلها المختلفة، وأنواعها، ودراسة اللغات المختلفة، وأولها الإيطالية؛ لأنها أم الأوبرا، ودراسة الإلقاء المسرحي والتمثيل، وعزف آلة موسيقية، مثل البيانو، ودراسة الأعمال الغنائية المختلفة، والاشتراك في أنشطة فنية مختلفة، وعلى مدى سنوات طويلة وعلى يد خبراء في المهنة.

مغني الأوبرا ينهي دراساته العليا ثم يبدأ باكتساب الخبرات بوصفه مغنياً شاباً في ورشات عمل محترفة، ثم تدريجياً يدخل عالم الاحتراف الواسع، وتبدأ المسارح ودار الأوبرا بالتعاقد معه عن طريق الاختبارات وتجارب الأداء، فيدخل في منافسة مع زملائه على الدور نفسه، أو العمل الفني نفسه، ويتم اختياره بناءً على مستواه الفني، وهل هو مناسب موسيقياً وصوتياً لهذا العمل، أو لا يتم اختياره، فيواصل محاولاته بالاشتراك في اختبارات أخرى. هو من يغني أوبرات مكونة من فصل أو فصول عدة، ويتم التحضير لها لشهور طويلة مع خبراء على أعلى مستوى، ثم التدريب الجاد مع قائدي الأوركسترا والمخرجين ومدربي الصوت والأداء. وهو من يغني في مسارح بها قواعد الرنين الصوتي التي لا تحتاج إلى ميكرفون (إلا في حالات الحفلات الخارجية أو المسارح الكبيرة جداً، وتكون ميكروفونات خاصة بمغني الأوبرا) ليعبر بصوته فوق عزف الأوركسترا في غناء فردي أو ثنائي أو جماعي أو مع كورال.

هو من غنى أدواراً أو قام ببطولات أوبرات عديدة، وعلى مدى سنوات بمراحل مختلفة وأعمال موسيقية متنوعة، على مسارح وفي مؤسسات ودور أوبرا على مستوى عالٍ، تتعامل بالمقاييس العالمية للتقييم الفني، وليس المحلي فقط، بما أنه فن عالمي، وبالتحديد أوروبي، وخاصة في دول مثل إيطاليا وفرنسا وألمانيا كونها مهد هذا الفن، وهو أيضاً من يغني في قالب كلاسيكي مع البيانو، ويكون قادراً على تكوين برنامج موسيقي كامل، مع اختيار المقطوعات والشكل النهائي لها، وهو من يشترك أيضاً في أعمال بمصاحبة الأوركسترا والكورال.

هو من عمل مع موسيقيين فنانين لهم مكانتهم واحترامهم بالمقاييس العالمية والفنية والاحترافية، التي تعطيه المصداقية المطلوبة في مشواره الفني، في وسط فيه تحديات كثيرة، منها صعوبات العيش في الغربة، ومواجهة العنصرية أحياناً كثيرة، وهو كفاح مستمر نفسي وجسدي وصوتي، ففن الأوبرا هو بمنزلة أولمبياد الغناء لما يتطلبه من كفاءة ومرونة في الأداء والتمكن الصوتي والتحمل الجسدي، مثل الرياضي المحترف، فتقنياته تحتاج إلى التفوق والامتياز في تقديمه، ولا يحتمل أن يكون متوسطاً أو أقل من المتوسط. ولهذا السبب، يتطلب تكوين الصوت الأوبرالي الصحي الكامل سنوات من التدريب المستمر، يعتمد عددها على السن، والتكوين الجسدي والفسيولوجي والنفسي والثقافي للطالب أو المغني الشاب، ولا يتوقف هذا التدريب مع الاحتراف، بل إنه يستمر؛ لأن الصوت يتطور مع التجارب والخبرات.

إذاً هو لقب لا يُكتسب في يوم وليلة أو بضعة سنوات، ويتطلب إخلاصاً وتفانياً وتضحيات، فلا تنخدعوا بالألقاب والمدعين؛ لأننا في عصر المعلومات، منها القَيمة والحقيقية، ومنها أيضا المزيفة والمفتعلة، فأرجو أن تسعوا دائماً إلى البحث، وفهم ومعرفة أصل الشيء ومصدره، فأنتم لا تستحقون أقل من الحقيقة لكي تستمتعوا وتتعرفوا إلى فن الأوبرا الحقيقي وليس شبيهه.