أعماق عذراء

أميمة عبد العزيز زاهد

 

قالت: أرجوك، كُفَّ عن إلقاء اللوم، وكُفَّ عن التذمر والنكد لأسباب أنت من تفتعلها. أخبرني، ما ذنبي؟ فأنت من كنت تريد الارتباط عن طريق عائلتك، وشاهدتني واخترتني وتزوجنا، وعلى حد قولك؛ فأنت لم تحبني وأنا لم أستطع أن أوصل لك هذا الإحساس رغم محاولاتي المتعددة لإيقاظ مشاعرك، ولم أقصر في واجباتي.
استخدمت معك أسلوب الطاعة والانقياد بإرداتي الشامخة؛ فكل حلمي أن أعيش حياتي معك على الحب والثقة والاحترام، وكل ما أعرفه أني من شجعتك منذ البدية على الخطأ؛ لأنك تعودت تنغيص حياتي بتفاهات ليس لها مثيل، واتهاماتك دوماً بالتقصير عدا أسلوبك الذي كنت تتقنه؛ لتسلب إحساسي بالكرامة، وكنت أستسلم لإحساس مؤلم بالهوان والعجز، ورغم ذلك كنت أتحامل على نفسي وأسامحك، وأبرر لذاتي بأنك ستتغير، ولكن -يا للأسف!- كنت من النوع الثاني من البشر الذي قال عنه الشاعر:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته *** وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
نعم، لقد بدأت أتعود وجودك في حياتي، ومشاعري كانت منجذبة إليك، ولكن ليس معنى ذلك أن أرضى باالعيش معك مجرد شاهدة أو عابرة سبيل في حياتك، ولا أن أحيا حسب الطريق الذي ترسمه لي، وحسب مزاجك وأهوائك؛ فأنا زوجتك وشريكة حياتك. حاولت أن أتناقش معك بكل صدق بأنه اذا كان ولا بد من الفراق؛ فعليك أن تترك بيننا باباً للحوار والتواصل والتفاهم حتى نتوصل لقرار يرضيك ويرضيني، وكم تمنيت أن تكون حليماً رحيماً ومنصفاً! فأنت من اختار وليست الظروف، فلو كنت متمسكاً بي، ولو أردت البقاء معي؛ لوجدنا عشرات الحلول.
ليس ذنبي أنك لم تستطع أن تحبني، أو بالأحرى لم تتمكن من حبي، ولم تمتلك القدرة أو الرغبة في أن تبادلني الشعور نفسه، وقررت بكامل إرادتك أن تنسحب من حياتي، إلى هذه الدرجة كان الطلاق بالنسبة لك أمراً عادياً، وكأن شيئاً لم يكن! ليتك فعلتها منذ بداية زواجنا وكنت قتلتني مرة واحدة فقط؛ لكان أهون عليَّ مما أشعر به الآن!
رضخت لرغبتك مرغمة، وأسأل نفسي وأعاتبها: أين خطئي؟ ولِمَ حدث لي كل ما حدث؟ فأنت من اخترتني شريكة لحياتك وفق المتبع، وبموافقة وتشجيع من أهلك؛ فأين يكمن خطأ الاختيار؟ فأنا قد أحببتك، ولكن -يا للأسف!- كان حباً دون مقومات، ودون تضحيات، ودون اهتمام، ودون عطاء متبادل، كان حباً من طرف واحد، ورحلت من حياتي دون ضجة؛ لتمارس حياتك، وأنا ما زالت أعماقي عذراء بعد أن اغتصبت معنوياً نتيجة منح مشاعري لمن لم يَصُنْها، وصدقت مع من كذب، وأخلصت لمن خدعني.
أعرف أن تفكيرى بك يسبب لي الألم، وما من أحد إلا ويرفض الألم، وما عليَّ سوى أن أقاوم فراقك وأجتاز صدمة انفصالك عني بشتى الطرق، وكما يقولون لا تشترِ من باعك ولاتحزن عليه؛ لذا سأحاول بكل قوتي وعقلي أن أنساك.