إلى أين ستمضي؟ وجميع الوجوه أنت!

سلمى الجابري


الأمر لا يشبه أي شعور قديم، بات الآن أعمق، إنه يخدرك، يشعرك باللذة، يصيبك من النقطة التي قد اعتقدت أنك نسيتها تماماً، ثم لا تعلم من أين قد عاد إليك، وكيف استطاع التعرّف على وجهك القديم، وجهك الذي ملأته بالتجاوز، بالمسافات، بالرحيل، وبالغربة، وجهك الصادم، المخذول، الباكي، باتت كل الوجوه تعرفه الآن.
آه يا جرحي الآسن.. من أين تعود كلما وليت وجهي عنك؟
من أين تأتي ونوافذي ما عادت تطل على ذكراك!
من أين تهب وكل رياحي قد اختلفت اتجاهاتها؟
لا الأمكنة هي ذاتها
ولا حتى الأزمنة كما هي
كثيرةٌ هي الوجوه التي تشبهك في تعبها، في صمتها، في شغفها، وتوقها للحياة، إلى أين ستمضي؟ وجميع الوجوه أنت، فأنت البداية والمنتهى، وأنت الاتجاه والطريق كن عابرًا، مُرتحلًا، وغريبًا، لا تعثرك لحظة، ولا تعيدك خطوة، خذ من المارّةِ صبرهم، من الطفولةِ بهجتهم، ومن الآخرين ما تشاء.. تجاوز مخاوفك، حينها كل الأشياء ستبدو في عينيك صغيرة، وحدك أنت المتغير، المختلف، المتجذر والعميق جدًا.
تجاوز تعبك، كما تجاوزت محطات الحياة، سافر من خلال كتبك، أغنياتك، أفلامك، قصائدك، سافر مع الوجوه التي تحبها، رافق ملاحمها، عِش بين شرودها، كن حاضرًا في إيماءاتها، فالأمر يستحق أن تطول رحلتك، لا تستقر بملامحَ لا تشبهك، ليس كل الاختلاف سيجذبك، وليس كل التشابه سيؤلمك، اختر وجهًا يعوضك عن شتاتك، وجهًا يقاسمك يُتمك قبل حبك. اختره جيدًا.
أما أنا فقد اخترتُ وجهي، اخترته هادئًا، عصبيًا، شاحبًا، وتملؤه الحياة في ذات الآن، اخترت وجهي نقيضًا من كل شيء، واضحًا بقدر غرابته، مسالمًا بقدرِ لؤمه، وحيدًا بقدرِ كثرته، حالمًا بقدر خيبته، صادقًا بقدرِ كذبه، وجهي الذي اخترته كان أنت في كل حالاته.