يا غافلاً عن خطر اللسان وعظيم جرمه، لا تنس بأن الله غير غافل عنك، فالغيبة في ظاهرها وباطنها معصية كبرى، ومرض من أمراض المجتمع. قال الله تعالى: «ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه»، فمتى اغتبت الآخرين وتحدثت عن نقائصهم وعيوبهم فقد آذيتهم، وهل هناك أبشع من أكل لحم الميت من البشر؟ فالغيبة من الصفات الذميمة التي حذرنا منها الرسول عليه الصلاة والسلام، لما يترتب عليها من المفاسد الاجتماعية في الدين والدنيا، ولما فيها من إفساد للمودة وقطع لجسور المحبة وأواصر الأخوة، ولأنها تزرع بذور العداوة بين أفراد المجتمع؛ فتنتشر بينهم الأحقاد، وبالتالي تحدث بعدها الخلافات والمشاحنات التي قد تصل إلى حد القطيعة والفرقة، فمن تطاول على أعراض الناس في السر أو العلن، ومن هتك ستر أخيه المسلم هتك الله ستره، فقد قال عليه الصلاة والسلام «يا معشر من آمن بلسانه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن يتتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته»، فالغيبة سلوك لا يمارسه إلا من تغلغل الفساد في نفسه، وكان قلبه مليئاً بالحقد، فتدفعه كراهيته للإساءة للآخرين، والقصص كثيرة فكم بهذا اللسان انتهكت أعراض، وطُلّقت نساء، وقذفت محصنات، وقطعت أرحام، ونهبت أموال، وتفرقت قلوب، ونزفت دماء، وقُتل أبرياء وعُذب مظلومون.
فمن ابتلاه الله بهذه الصفة فعليه أن يتذكر قول الله تعالى: «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد»، وعليه أن يجاهد نفسه بالابتعاد عن مجالس الغيبة ورفاق السوء الذين لا يتوانون عن الخوض في أعراض الآخرين، والاستهزاء بهم في الُخلق أو السلوك أو الشكل أو النسب أو اللون؛ لأنه متى جالسهم فإما أن يشاركهم في الباطل ويخوض معهم، وإما أن يجاملهم ببعض الكلام، أو حتى بالابتسام أو الاستماع، وبذلك يكون شريكاً معهم في تجارتهم الخاسرة؛ لأنها فئة خسرت حسناتها، وأعطتها دون إرادة منها إلى من اغتابتهم، فإن لم يكن لديهم حسنات أخذ من سيئاتهم.
قال رسول الله: «إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار».
ومع الأسف هناك من تساهل واستهان بمثل هذه الأمور، حتى اعتاد على آفات اللسان، وكم نحن بحاجة إلى أن نجد بيننا من يسرد لنا مواقف السلف الصالح، وكيف كان حالهم حيال هذه الآفة؛ لتتذكر النفس قبل أن تتكلم، وبأننا أحوج ما نكون للعمل الصالح؛ لأن آفات اللسان تأتى على الحسنات والجزاء من جنس العمل، والإيمان الصادق لا بد وأن يرتبط بعمل صالح، والعمل الصالح يرتبط بصحة النية وصحة الأداء.