على جناح الشوق

نجاة غفران


من الجنون التفكير في طلب يد امرأة بعد أسابيع فقط من تعرفك عليها. هذا ما يقوله لي أهلي وأصحابي. لا أحد يفهم ما يحدث، ولا حتى أنا. لم أتخيل نفسي يومًا أقع في فخ الحب بهذه السرعة بعد سنوات طويلة من الإضراب عن التفكير في الزواج.
سلبت قلبي من أول نظرة. هكذا... ببساطة.
قصتنا غير عادية، قصتنا جنونية.
لم أتردد لحظة.
حجزت مقعدي في أول طائرة وجدتها، وانطلقت نحو مونتريال، وفي جيبي خاتم خطبتها.
بدأت الحكاية منذ شهر ونصف، عندما استضافت الشركة التي أعمل فيها وفدًا نسائيًا؛ للتعرف على وضعية العاملات في المصانع التابعة لنا. كان الأمر مهمًا للترويج لبضاعتنا، وإقناع بعض دور الأزياء العاملة في الخارج بالتزامنا بأخلاقيات المهنة، وحرصنا على التعامل مع العنصر النسوي باحترام وتكريم.
كنت، باعتباري منسق علاقات عامة، مطالبًا بمرافقة الوفد أينما حلّ وارتحل. وكانت هي ضمن المجموعة.
لن أكذب. لم يسبق لي أن استلطفت مناضلات الجمعيات النسائية اللاتي تعودت على رؤيتهن يصرخن في وجه الرجال، ويتهمنهم بفظائع الأمور. كثير من ادعاءاتهن كاذبة. هناك أشياء لا تقدر النساء على إنجازها مثل الرجال، والعكس صحيح. مسألة المساواة التي يطالبن بها دقيقة، ولو تحققت بالملليمتر، كما يردن، لظلمت النساء والرجال على السواء. أرى في كثير من شعاراتهن تعقيدًا غير مناسب للحياة بشكل عام. ولا أحبذ الانشغال عن أولويات مهمة؛ ككسب لقمة العيش، وتربية الأولاد، وتعميم الأمن في البلاد، بمناقشات فلسفية لا طائل منها.
طبعًا، احتفظت بآرائي لنفسي، ورافقت ضيفاتنا حيث شئن، واستمعت لآرائهن، ولم أعارضهن على الإطلاق.
كان هذا النفاق الاجتماعي من متطلبات وظيفتي.
برزت إسراء من الجمع من أول نظرة. ولعل حضورها ساهم في انشراح أساريري وأنا أرافق الوفد. كانت جميلة، بقصتها الصبيانية القصيرة وعينيها العسليتين. جاءت من كندا، موفدة من طرف شركة أزياء تودّ التعامل معنا. تخصصها علاقات عامة، مثلي، ولكنها تنشط أيضًا في جمعيات نسوية كثيرة، عكست أسئلتها عن ظروف عيش عاملاتنا اهتمامها الخاص بمشاغل تلك الجمعيات.
وجدتني أتعلق بسرعة بها، وأترقب كل صباح لحظة انطلاقي إلى الفندق الذي يقيم فيه الوفد لرؤيتها والاستمتاع بصحبتها. لم يسبق لي أن شعرت بإحساس كهذا. تحول العالم من حولي إلى خلفية مسرح تحتل واجهته إسراء الجميلة، ابنة بلدي، التي ولدت هناك، في مونتريال، وتشربت ثقافة وسلوكيات الكنديين.
كانت هي من دعاني إلى فنجان قهوة، خارج جولات العمل. قالت إنني أروق لها، وسألتني ضاحكة إن كنت أؤمن حقًا بالأفكار التي يطرحها الوفد. «تبدو وكأنك تمثل دورًا رديئًا... أنت لا تكف عن هزّ رأسك والموافقة على كل ما نقوله...».
ضحكت لها... ولم أعرف بماذا أجيب.
تكلمنا في كل شيء، حدثتني عن حياتها اللاهثة هناك، وقالت إنها تعبت من البرد والجري ليل نهار... والوحدة.
وقلت لها إنني أيضًا... تعبت من الجري ليل نهار، ومن الوحدة، ومن الحر.
وضحكنا...
أشياء كثيرة جمعتنا وجعلتني أتيقن من أنني لن أحب امرأة أخرى كما أحببتها.
أجدني الآن مستعدًا لترك كل شيء من أجلها. حياتي في بلدي، أهلي، أصحابي...
أنا مستعد للهجرة إلى القطب الشمالي معها.
لم يسبق لي أن زرت كندا. ولم يكن ذلك مهمًا.
تدبرت أمري حين حطت الطائرة بنا، واشتريت باقة ورد ضخمة، وأخذت تاكسيًا إلى العنوان الذي أمدتني به.
سأفاجئها.
وقفت في برد المساء القارس أمام البناية التي تقطن فيها، ورفعت رأسي للسماء. رذاذ خفيف بللني بالكامل.
اتصلت بها، وانتظرت وقلبي يقفز من الشوق أن تفتح لي، وأجثو أمامها، وأقدم لها الورد والخاتم، وأطلب يدها.
ويا للمفاجأة...
إسراء في المغرب... في نفس اللحظة... أمام منزلي... تنتظر أن أفتح لها لتفاجئني... وتطلب يدي...