نحن لا نملك أقدارنا

أميمة عبد العزيز زاهد

 

قالت: يُطلب من المحكوم عليه بالإعدام أمنية أخيرة قبل أن يغادر الحياة وينفذ له طلبه إذا كان ضمن اللوائح المشرع بها رسمياً.. أما المظلوم فتبقى أمنياته دفينة في صدره لأمر خارج عن إرادته وأقوى منه، ولكن بالتأكيد لن تكون أقوى من قوة المنتقم الجبار.
يا إلهي، هل أصبحت العلاقات الإنسانية بهذه البشاعة!.. فالانتقام.. والحقد.. والحسد.. والغيرة.. والثأر، كلها صور مفزعة تطاردنا ونحاول أن نهرب منها في هذا الزمن، ولكن تأبي إلا أن تلاحقنا فتقتحم علينا بيوتنا ومكاتبنا وحتى صمتنا عنوةً وقسراً وقهراً، ولكن هل تنتصر الحياة مع إرادة الشر والواقع يقول إن هناك ظالماً ومظلوماً.. غالباً ومغلوباً.. منتصراً ومهزوماً؛ فلماذا ندفع راحتنا دفعاً نحو الهاوية ونعيش اليأس والقلق مع مشاكل بلا أسباب واقعية، أو تدخلات في كل صغيرة وكبيرة؛ فهناك من يتفنن ليصنع الموقف المناسب للإضرار والإساءة والتدمير، ويحسب كل خطوة نخطوها بدون فهم أو إدراك أو استفسار.. وبالتالي يحكم علينا بدون إنصاف أو وجه حق؛ فكل ما نفعله ونقوله ونفكر به يُحكم عليه بالخطأ.. أما الصواب والمنطق والحق فيصدر فقط من الأقوياء؛ فلا مكان للضعفاء والمطحونين والمخلصين والصادقين على خريطة العالم.
ماذا أصاب الناس، ولم يعيش البعض منهم وهو يحب الخير لذاته ويكرهه للآخرين، ويبعد الشر عن نفسه وينسبه لغيره، يسعي لتحطيم الناجحين ويكتئب لسعادتهم ويفرح لفشلهم؟ أسلوبهم الثورة والهجوم أحياناً، والغدر والخيانة والطعن وليّ الذراع أحياناً أخرى.. عينه لا تتوانى عن سلوك كل الطرق الملتوية في الخفاء.. عينه تتلون كالأفعى التي تبث سمومها القاتلة في كل اتجاه؛ فهي تملك من الأسلحة ما يساعدها على تحقيق مآربها، ألا تتعب من كثرة الكذب وتتعظ من قدرة الله، أم أنها تجهل أن يومها قريب!
وحتى يستقيم الميزان ويعتدل من جديد.. وحتى ذلك الوقت.. سيظل الظالم يتمادى في غيّه وظلمه، ويبقى المظلوم يئن لحاله ويرثي لوضعه.. سيظل الظالم يصدر القرارات ويحكم كيفما شاء هو أو غيره ممن يعتقدون أنهم الأصلح والأتقى، ودون اعتبار للمحكوم عليه ظلماً وإجحافاً.. ودون أن نسمع له كلمة صدق عن معاناته وشعوره بالقهر، ودون أن يجد من ينصفه.. وعمن كتم الحق لصالحه وخاف على نفسه من أن يكشفه، ويستجير على كل من تمادى بظلمه.. فلا ظالمَ بخير لأن الظلم آخره الندم.
وعلينا أن نثق بأن الله سيُظهر الحق مهما تكلم الشامتون.. ومهما اغتاظ الحاسدون.. ومهما ظلم الظالمون.. ومهما كذب الكاذبون ممن يدعون الصدق والنزاهة أمام الآخرين، ويقومون بالطعن في الظهر، وسيهب الله للمظلوم القوة التي لا يشعر بها الظالم؛ فيقول المظلوم للصياد لا تخف إلا من فريستك؛ فنحن بشر ولا نملك أقدارنا ولا أعمارنا ولا أرزاقنا ولا سعادتنا وشقاءنا، ولكن هناك رب مطلع عليم سينصف عباده المظلومين في يوم الحساب العظيم.. يوم ترفع الحجب وتفضح الأسرار، يوم رد المظالم لأصحابها، والذي بعفوه يغفر للناس أجمعين ما ارتكبوه من ذنوب إلا المظالم.. تركها للمظلوم يقتص ممن ظلمه، ويا له من يوم.. ويا له من أجر عظيم.