نحن من نصنع الملل

أميمة عبد العزيز زاهد

 


قد تمر على الإنسان لحظات يشعر فيها بأنه لا قيمة له، وتصبح نظرته متشائمة، فحياته عبارة عن سلسلة من المعاناة والألم، ويبدأ بالتبرم من كل شيء، ومن أقرب المقربين منه وحتى من نفسه، ويعيش اللامبالاة؛ لأنه يشعر بأن اليوم كالأمس كالغد لاشيء جديد، فالعمل نفس العمل، والوجوه لنفس الأشخاص الذين يراهم ويتعامل معهم، والنهار بالنسبة له كالليل، والأمكنة التي يذهب إليها لا تتغير، ودائماً يحس بالملل ويفتقد الشعور بالمتعة عند القيام بأى شيء، فلا يوجد ما يحفزه لإنجاز أعماله، ولا يريد أن يختلط بالناس، ويشعر بكسل شديد وعدم الرغبة في الاختلاط بالآخرين، وقد تراه يهرب من واقعه الممل بالنوم؛ لعله يجد من خلال أحلامه ما يتمناه، وبأي حال من الأحوال لا يمكن الاستهانة بالملل؛ لأنه قد يصل إلى مرحلة عدم الأمان، وافتقاد السعادة وعدم الراحة والخمول، وبالتالي يولد الضغط النفسي، الذي يكون عادة أشد من المرض العضوي، لو استمر بتلك الحالة قد يصل لمرحلة الاكتئاب وعدم الرغبة فى الحياة؛ لأن الضغوط حالة من حالات الإحباط العقلي والوجداني، وهي استجابة لتأثيرات خارجية، وكل من يشعر بهذه الأحاسيس عليه أولا أن يتقرب الى الله سبحانه، ويتذكر قوله تعالى (إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ)

 

ويتضح أثر الصلاة على قلب المؤمن وروحه وشعوره، وما تكسبه من طمأنينة وارتياح، فالعبد أقرب ما يكون من ‏الله وهو في صلاته، خاشعاً يناجي خالقه، ويطلب منه عز وجل عبر ‏حركاته وسكناته الرحمة ‏والمغفرة والعون في ‏كافة شؤونه وأعماله، وبعد ذلك عليه أن يجد طريقة يحاول أن يغير فيها من الروتين الذي يحيا فيه، ويبادر بتغيير نمط حياته، وأن ينظر إليها نظرة مختلفة، ولا يستصغر أي فعل، فمجرد التغيير حتى لو كان بسيطاً له مدلول جيد ينعكس على نفسيته ويمنحه الحيوية، وفي نفس الوقت عليه أن يحاول التنازل عن بعض من عاداته الصارمة والجامدة؛ حتى لا يسجن نفسه داخل قضبان صماء، ولا بد من مراعاة الظروف وعدم الاندفاع في التغيير لمجرد التجديد دون إدراك ووعي، فالإنسان بالفعل يجد متعة كبيرة فى تغير مزاجه أو حالته أو مواقفه أو الجو الذي يعيش فيه، إنها عملية تغيير لأسلوب الحياة يكون الأساس فيها هو عدم الاستسلام للضغوط، وأن تكون لديه إرادة قوية؛ لأن بداية كل جديد هو أصعب ما في الأمر، ففي البداية سيشعر بعدم الرغبة في الاستمرار، ولكن مع المثابرة والمقاومة والصبر يمكن للشخص أن يحرز التغيير ويتغلب على أسلوب الحياة الممل، فنحن بالفعل من نصنع الملل بأيدينا، لذا فالتجديد هو أكثر الثوابت في حياتنا التي نحتاجها باستمرار... فلا تبخلوا على أنفسكم بالتجربة... فهي في حد ذاتها تغيير.