mena-gmtdmp

أنانيَّة الأبناء!

أميمة عبد العزيز زاهد

 

قال:

فكرت كثيراً قبل أن أرتبط بزوجة أخرى عوضاً عن زوجتي التي رحلت لخالقها منذ ثلاثة أعوام، رحلت بعد رحلة استمرت خمسة عشر عاماً في سعادة واستقرار، كنا نقتسم الحياة معاً نشرب من نفس الإناء، ونأكل من نفس الأكل، ونتنفس نفس الهواء، نجلس في نفس المكان حتى الهموم والأفراح تقاسمناها. كانت -رحمها الله- نعم الزوجة والرفيقة والأم، لكنَّها مشيئة الله، وبعد رحيلها تغيرت كل حياتي وتعبت نفسيتي وأعصابي، بذلت كل جهدي في تربية أبنائي ولم أبخل عليهم بشيء، لا بالحنان ولا بالمال أو الوقت، كنت أتابع بنفسي دروسهم وأقضي مستلزماتهم. ضحيت من أجلهم بالكثير، وصبرت سنوات، كنت لهم الأب والأم، والآن وجدت أنَّه قد حان الوقت المناسب لأتزوج تلبية لاحتياجاتي لشريكة تشاركني حياتي، كنت في أشد الحاجة ليد تربت على كتفي، وقلب دافئ يبدد عني البرود والوحشة، كنت أحتاج لإنسانة تخاف الله لتقبلني بأبنائي. أحتاج زوجة بمواصفات خاصة، فمن هي التي ستقبل بأن تربي أبناء لم تلدهم، وتدير منزلاً لم تؤسسه. وتوكلت على الله وتم الاختيار حسب العادات والتقاليد، وكانت إنسانة قمة في الأخلاق، ووجدت فيها ما كنت أتمناه، فهي تتميز بالطيبة وسعة الصدر والتضحية. ولكن مع الأسف أبنائي اعتبروها غريبة ودخيلة عليهم، ولم يكن سهلاً أن يتقبلوا امرأة تحتل مكان أمهم، وأعلنوا التمرد مفرطين بحساسيَّة شديدة تجاه كل ما تفعله لهم ويسيئون فهم أي عمل تقدمه، وكل قول تقوله فهي من وجهة نظرهم إنسانة محتلة أخذت مكان أمهم وحب أبيهم، ومن هنا بدأ الصدام المستمر، فهم يعتقدون أنَّها تثيرني عليهم وتريد أن تسرق الحبَّ والحنان والاهتمام الذي كنت أغمرهم به رغم أنني كنت حريصاً على ألا يشعروا بأي نقص عاطفي أو نفسي أو اجتماعي بعد زواجي، لكنَّهم لم يستطيعوا أن يحبوها، وكانوا يتآمرون عليها حتى يستفزوها لتخرج عن طورها رغم أنَّها كانت تتفانى في خدمتهم، وتحملت الكثير من تعاملهم غير المنصف، وكانت تعتني بكل أمورهم وكأنَّها والدتهم. حاولت مراراً وتكراراً من خلال مناقشتي معهم أن أوضح لهم أنَّها تحبهم وتعاملهم بكل الودِّ والحبِّ، وعليهم احترامها ومعاملتها معاملة جيدة حتى لو لم يحبوها، لكنَّهم لم يتجاوبوا معي، ولم يتقبلوا كلامي وأصروا على عدم رغبتهم بوجودها، ورفضوا فكرة استقراري واستمراري حتى أحالوا حياتنا إلى عذاب، أما هي فقد كانت تكتفي بالبكاء في غرفتنا دون أن تشتكي، وكنت أحاول أن أخفف عنها وأناقشها، كانت بكل هدوء تقول إنَّها حزينة؛ لأنَّها لم تعرف كيف تكسبهم، وأنَّها بالفعل أحبتهم، لكنَّها فشلت في احتضانهم واحتوائهم، وفي جعلهم يحبونها ويتقبلونها، وأنها تدعو الله أن يأتي اليوم الذي يشعرون فيه بحنانها وعطائها وحبها الصادق وحتى ذلك الوقت أدعو الله أن يهديهم، وأن يمنحنا أنا وهي الصبر؛ لنتمكن من أداء رسالتنا في هذه الحياة.