mena-gmtdmp

أين رحلت الرحمة؟

أميمة عبد العزيز زاهد
إن الزواج عصمة وحماية، سكن وسكينة، استقرار وسعادة، له بهاؤه وبهجته وجماله، الزواج شركة ناجحة، رأسمالها الحب والمودة، نسعى إليه بكل قوتنا، ونضحي كثيراً من أجل أن نبني حياة كريمة، حياة لا تكتمل إلا من خلال ثنائيات الكون، فهناك شمس وقمر، ليل ونهار، بحر ويابسة، صيف وشتاء، برد وحر، حلو ومر... وأجمل ثنائي هما المرأة والرجل، والعلاقة الزوجية علاقة متشابكة ومتداخلة ومركبة، وفيها اعتبارات اجتماعية ونفسية مختلفة، ويشكل الطرفان خلية جديدة في المجتمع، تحتاج إلى أركان وثوابت. يقول علماء النفس إن الإنسان تتكون شخصيته وطباعه مرتين؛ الأولى على يد أمه، والثانية على يد زوجته. ويؤكدون أن الزواج الناجح ولادة ثانية وحياة جديدة، وكثيرون يسألون كيف يصنعون السعادة في بيوتهم، ولماذا يفشلون في تحقيق هناء الأسرة واستقرارها.. تُرى أين ذهب الحب، وأين رحلت الرحمة، وأين هرب التراحم؟ تُرى ماذا حدث حتى تعرضت مقومات المعادلة لعوامل التعرية، ولم نعد نتحمل مقاومة الصدمات وانهارت الصور الجميلة؟ ما الذي حدث داخل الأسرة؟ ولماذا يا ترى تتحول العلاقة بعد الزواج إلى معركة، وتبادل للاتهامات، وتصيُّد العيوب! حتى أوشك الحب على أن يضيع من بيوتنا في زحمة الحياة؟ ومن منا لم يتألم عندما يسمع عن كثرة الطلاق، من منا لم يتمن أن تنتهي المشاكل الدائرة والمعارك الطاحنة بين أي زوجين، وأن تستمر حياتهما بأقل ضرر ممكن.. إن معظم العيوب قابلة للإصلاح بشيء من الجهد والنصح والصبر‏.‏ كما أن بعضها الآخر يمكن التجاوز عنه، والقبول به كأمر واقع‏.، كما نتقبل ما لا نستطيع تغييره، ونتعايش معه، وفي المقابل هناك عيوب لا تستقيم معها الحياة الزوجية، ولا تستمر ولا يجدي معها إصلاح. يعتبر الطلاق الفصل النهائي للحياة الزوجية، وبداية لفصل جديد لحياة مختلفة، وهي بداية ليست بالأمر السهل، وتحتاج إلى قواعد وأسس، وكل من عزم على أبغض الحلال يحتاج إلى التفاهم العقلاني والرجوع للدين، وتحكيم العقل والضمير لمحاولة تقليل الخسائر عن الأشخاص الأكثر ضرراً في هذه القضية وهم الأبناء. ففي البيوت المغلقة هناك من يعيش في ليل حالك الظلام، ويطوي بحور ليله، ويأتي بعده ليل آخر، ولا أحد يسمع أو يعرف عنهم شيئاً. بشر يعيشون تحت سقف واحد وبين أربعة جدران، تمضي الحياة بهم يوماً بعد يوم، وتولد الأسرار، وتظل حبيسة المكان بعيدة عن العيون والأسماع، ولكن قد يأتي يوم ما يفترق كل في طريق، وتباح الأسرار، وما كان محظوراً بالأمس يصبح مباحاً أمام الملأ. إن الأسرة التي تعيش حالة من التماسك والوحدة يتمتع أفرادها بصحة جيدة، ويكونون أقل عرضة للأمراض، فالحالة العاطفية للعائلة تتدخل، حتى في الصحة العقلية، فتماسك العائلة ووحدتها يعني أيضاً نجاح أفرادها في الدراسة والعمل والحياة اليومية، بالإضافة إلى الثقة بالنفس أمام المجتمع بشكل عام