حيرتني نفسي عندما سألتني: ماذا فعلت بي الحياة؟ ترددت أعماقي في الإجابة، عشت ساعات تعرية لا يسمعني فيها إلا ذاتي، ودار شريط عمري، استرجعت خلاله أن وصراعي في هذا الكون، فأنا لم أحيا الحياة التي طالما تمنيتها، وقد كان بالإمكان أن أحياها، فكم من الفُرص لم أستغلّها، وكم من الأمنيات لم أتمكن من تحقيقها، وكنت أظن لحظتها أن الانتظار سيأتي بالأفضل.
فطالما كان حلمي أمامي فسأكون مطمئنة، لكنه لو هجر عينيَّ وابتعد عن إحساسي، سأندم.. لا ليس الآن وقت رثاء حالي ولا حساب، لا بد أن أجد إجابة شافية بعد أن عشت عمري أحب الخير لغيري كحبه لنفسي، أنا لا أدّعي الكمال، لكنني حاولت جهدي للوصول إلى أكبر قدر ممكن للمثالية، حسب قدراتي وإمكاناتي ورغبتي بالعطاء، ولم أكن أفكر في الأخذ، وبإذن الله لن أكون من الذين قال الله عنهم (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).
بكل صدق أعترف أنني اكتشفت -بعد فوات الأوان- أن كل حساباتي كانت خطأ، نعم أعرف أن هذه الحقيقة التي واجهت بها نفسي جاءت متأخرة ولا قيمة لها، لأنها لن تُعيد ما حدث، ولا يوجد هناك مجال لأغيّر أو أجدّد.
أين مني الحب والعدل والحنان والعطاء والأمان؟ كلها معانٍ لم أتذوّقها، عشت أحلم بها وبتحقيقها في أمسي ويومي، وسأظل أنتظر أن أعيشها في مستقبلي، لو قدرت لي الحياة، رغم علمي التام أن ما أفعله هراء وكلام ليس له أساس من الصحة، لكنني سأفعل، وأعيش أوهامي وأحلامي التي بنيت فيها قصورًا من الرمال، لأنني لا أستطيع أن أبنيها من الأسمنت والحديد، إلا إذا عشت عكس المعاني التي أؤمن بها، الكذب والنفاق والخداع... حاولت بإرادتي المقهورة أن أعيش سعادتي، لكن نموها توقف، كل ما حاولت فعله هو أن أكون دائمًا سيدة الموقف؛ لأتمكن من معالجته، لأنني لو تخاذلت سأصبح عبدته، وسيتغلّب عليّ وقررت ألا أقف وأنا أشاهد الآخرين يسيرون ويجرون ويتقدمون، فالأيام لن تتوقف بوقوفي، سأدفعها دفعًا لتحقيق راحتي واغتيال الحيرة من نفسي... فعندما يستشعر الإنسان منا الأمان بالحب الذي يملأه، يشعر بالتوافق والانسجام بين مكوّناته الثلاثة، النفس والروح والجسد، ويصل إلى درجة الألفة مع نفسه والشعور بذاته، وبالتالي يحقق قمة الاتصال بالآخرين، ويتمتع بنعمة البصيرة والإبصار، ويتفهّم ما بداخله ويتعمّق فيما يحيط به.. ترى هل هو احتياج فطري أم هي محاولات لفك الحصار عن سعادتي؟ فأنا أريد من يعيش معي... يكون بداخلي... من أراه وهو ليس أمامي، وأسمعه وهو لا يتكلّم... أحسّه وأنا ألمس الهواء، فروحي معه تعبر كل الفواصل والحواجز والحدود، من يشعر بأني كيان كرّمني الله بالعقل والقلب والفكر والعاطفة.
أعرف أنني لم أمتلك هذا الإحساس، لكنه احتياجي لامتلاكه، وإلى من أتآلف معه ومن أنجذب إليه، إنسان يملؤني فرحة، ويمدّني بالسعادة، إنني أدرك ذلك في خيالي وأسير طائعة راضية حتى يتحقق في واقعي... فالحب هو صميم وجودي.... أريد أن أجد ضالتي وألتقي بها وأتآلف معها بروحي ونفسي، أتمنى إنسانًا يُبهر عقلي، يمتلك كياني، إنسانًا يُرضِي نفسي ويُشبع روحي... أحتاج إلى من يطمئنني ويقول لي أحبك بصدق ويخبرني بأنني محور حياته.
مشاعر متناثرة
زعموا حبي يا قلب خطايا
لم يُطهّرها من الإثم بكايا
حسبنا ما كان فاهدأ ها هنا
في ضلوعي واحتبس خلف الحنايا
لا تُثر لي ذكريات إنها
شيّبتني.. شيّبت حتى صبايا
ذكريات عصفت بي ذكريات
لم تدع من أجلي إلا بقايا
ذكريات رسفت في أدمعي
وشجوني وتمشت في دمايا
كامل الشناوي