mena-gmtdmp

عادة العفو

أميمة عبد العزيز زاهد

تُرى هل يتعلق تسامحنا بمدى عمق الأذى الذي تعرضنا له؟ وهل من السهل أن نمزِّق صفحة أليمة كتبها مَن ظلمنا وغدر بنا، أو من استهان بمشاعرنا؟ وهل يمكننا أن نحرم من ظلمنا فرصة عودته تائباً نادماً؟ 

للإجابة عن هذه التساؤلات إليكم ما اكتشفه علماء في الغرب؛ فقد لاحظوا شيئاً عجيباً، وهو أنَّ الإنسان الذي يمارس عادة العفو تقلُّ لديه الأمراض، وهي ظاهرة غريبة استرعت انتباه الباحثين، فبدأوا رحلة البحث عن السبب، فكانت النتيجة أنَّ الإنسان الذي يتمتع بحبِّ العفو والتسامح، يكون لديه جهاز المناعة أقوى من غيره

وبمجرد أن يفكر في الانتقام فإنَّ أجهزة الجسم ترهق وينخفض النظام المناعي، وتتنبه أجهزة الجسم، وكأنَّ خطراً ما يهدِّد وجودها، ما يؤدي إلى ضخ كميات كبيرة من الدم، وإفراز كميات من الهرمونات، ووضع الجسد في حالة تأهب لمواجهة الخطر، ويرتفع ضغط الدم، وتضطرب عمليَّة الهضم، ويتعب النظام العصبي، ويضيق التنفس، وتتوتر العضلات، وهذا التوتر يؤدي إلى إرهاق الجسد في حالة تكراره، لكن عند ممارسة العفو والتسامح ينشط النظام المناعي، وتزول هذه التوترات، وتزول الرغبة في الانتقام، وتهدأ أجهزة الجسد؛ بسبب زوال الخطر، وهذا ما يعطي فرصة للنظام المناعي بممارسة مهامه بكفاءة عالية. فأنت حينما تصفح تشعر بأنَّك قريب من الله، وأنَّك أكبر من أي مشكلة في الأرض، والناس من حولنا يختلفون، فهناك من تصفح عنه فيحتقرك، وآخر تصفح عنه يعظمك، وهناك من تعفو عنه تملك قلبه، وإنسان تعفو عنه يعيد الكرَّة ويستضعفك. فلا نجعل الشيطان يتغلب علينا، ونجعل ما بداخلنا من شر وحقد أكثر من الخير والمحبة، فإنَّ من أعظم الصفات العفو. والله سبحانه أمرنا بالعفو مهما كانت الإساءة، بل وأمرنا بالصبر الجميل؛ ابتغاء وجهه الكريم. ويقول العلماء إنَّ موضوع المكافأة مهم جداً، وهذا ما جاء في كتاب الله، قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، فالأجر والمكافأة من عند الله، والمكافأة ستكون هي رضا الله تعالى. سبحانك يا ربي ما أعظمك! فهو الذي يعوضنا ويعطينا ما فقدناه، فالعفو صفة من صفات الله، فيعفو عن عباده ويغفر لهم، ولذلك فهي صفة يحبها الله عزَّ وجلَّ والنبي، صلى الله عليه وآله وسلم، فالعفو شعور نفسي نبيل يترتب عليه التسامح، فالإنسان حين يكتم غضبه ويقبض يده فلا يقتص، ويجعل عفوه عن المسيء نوعاً من الشكر لله، سيزيده الله بعفوه عزاً.

أنين التسامح

الإنسان السوي والمؤمن الراشد يكون منزوع الدسم من السم، عنده براءة اختراع لمكارم الأخلاق، مختومٌ على جبينه خاتم {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، غفر الله لنا إساءتنا للغير، وغفر الله لمن أساء إلينا، وغداً نلتقي في الجنة إن شاء الله تحت مظلة {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}.

د. عائض القرني