mena-gmtdmp

عالم الشائعات

أميمة عبد العزيز زاهد

الشائعة خبر ينتقل من شخص مجهول المصدر لشخص آخر مع إضافة وتغير لمضمون ومعنى تفاصيل هذا الخبر، وأحياناً قد يكون الخبر لا أساس له من الصحة، وأحياناً يكون هناك جزء ولو بسيطًا من الواقع، وكما يقولون «لا دخان من دون نار»، وتنتشر الشائعة حسب أهميَّة المشاع عنه وحسب أهميَّة الموضوع، حيث يصبح وقعها أشد وأعنف، فعالم الشائعات عالم مخيف وتعتبر الشائعة جريمة ومرتكبها لا يقل في إجرامه عن أي مجرم آخر. فالشائعة التي يتبادلها الناس من حولنا فيما بينهم، أحيانًا يصدقها الناس وكأنها خبر مؤكد، وأحيانًا يحمينا من هذه الشائعة من يحبوننا ويثقون فينا، فيتم الدفاع عنَّا لعدم تصديقهم لما سمعوا، وأحيانًا تموت في مهدها، ومرَّات تزداد وتتسع.

على كل حال هي أمر خطير، وخطورتها تكمن في إثارة النفوس الضعيفة، فمع الأسف فلا يزال نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض بهدف الإفساد، من أعظم أسباب قطع الروابط وإيقاظ الفتن، وإشعال نيران الحقد والعداوة بين الناس، وقد ذمَّ الله تعالى صاحب هذا الفعل فقال عزَّ وجلَّ: «وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ»، وهناك عينة من الجنسين، سواء رجالاً أو نساء، يجتمعون ويتقابلون ويتحدثون ويغتابون وينِمّون، ويخوضون في أعراض الناس وأحوالهم وكل ما يخص حياتهم في أمور لا طائل منها سوى التسلية والترفيه، وتمضية الوقت بلا فائدة لصنع الشائعات وظلم الأبرياء؛ حتى باتت لهم وجبة دسمة. فئة قامت بالتناوب من أكل لحوم غيرهم ولم تدع مجالاً من مجالات حياتنا إلا ودست فيها أنفها، تتكلم وتفتري وتكذب وتجرح وتتمادى سنوات وسنوات، والمضحك المبكي أنَّك عندما تجلس في أي مجلس تسمع الدُّرر والجواهر، تنساب من أفواهها السماحة المزيفة فوق وجوهها وتتكلم بكلام ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، وتتحدث عن ظلم الآخرين وكيف أن الظالم والنَّمام والمفتري سينال جزاءه الرادع وتتعوذ من شره وفتنته، وهذه الفئة في الوقت نفسه لم تدع صغيرة ولا كبيرة إلا وأذاقت من لسعتها أو من سمها، وبعد أن ظلت فريستها تعاني من الشائعات ومن الغمز واللمز الذي تحول مع السنوات إلى صرخات مدوِّية صدقها الجميع. فئة سجلها حافل، وكأنك تعايش محطة إذاعيَّة لا تصدر إلا نغمة واحدة مكررة مملة لا يتغير فيها صوت ولا يتجدد معها برنامج، فمن السهل أن يجد الإنسان نفسه في مهب الريح وتحت العواصف، ومن الصعب أن يدافع عن نفسه أمام سطوة الشائعات وسهام الاتهامات الظالمة. وأختم مقالي بقول الرسول عليه الصلاة والسلام «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: اللهُ ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل  أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» رواه مسلم

 

أنين الضمير

هم الإخوان كثير، لكنهم في النائبات قليل، هي الأيام تجمعنا بهم ولسنا بحالهم خبير، هي الأوقات نقضيها بصحبتهم، وتفرحنا برفقتهم ثم نغدو جميعاً ونروح، هي الأيام تأتي فتكشف لنا غطاء كان محكمًا على دسائس قلوبهم المبطنة بألوان العجائب التي بدت على الألسن ونظرات العيون، هو الوهم الذي عشناه أنَّهم لله أحبونا، بأننا رمز الصداقة المثلى بدنياهم، لقد لمسنا غدرًا بما يكفي، هذه حقيقة بواطنهم قد ظهرت على جوارحهم.

 

مرفت عبد الجبار