لم أصدق نفسي، فأخيرًا طلبت مني أن نتقابل لنتفاهم بعد فترة انفصال ليست بالقصيرة، وكم كانت فرحتي بطلبك للحوار لا حدود لها، لعل وعسى أن نتفق على مبدأ لتسير حياتنا في هدوء وتعود المياه إلى مجاريها، وبرغم انتظاري لهذه اللحظة فإنني في تلك الليلة كانت ملامحي باكية، ليس من شدة الفرحة، بل من مجهول لا أعرفه، قُمْت وارتديت أجمل فساتيني وتخيَّرت أرق عطوري وقابلتك، لكنني فوجئت بنظراتك النارية كأنها طلقات مدفع تمزق بها كياني أو كأنها مخزون وقود ينتظر شرارة ليفجر جحيمه في جوارحي، كنت تقف أمامي كبركان يوشك أن تنفجر حممه، وكل نزعات القسوة كانت تتآمر في رأسك.
لحظة فقط لا أكثر ولا أقلّ حددت فيها مصيري معك.. لحظة كانت هي الحد الفاصل، كنت لحظتها زوجتك وأصبحت بعدها طليقتك..ثوانٍ قليلة تساوي نقطة في بحر الزمن، إلا أنها كانت حدًّا فاصلاً لحياتي.. سيناريو اللحظة لم يكن يستوعب أكثر من مشهد واحد.. مشهد اللحظة الأخيرة وعادة لا يستوعب انتهاء المشهد سوى لحظة لا يسبقها إنذار.. لحظة خاطفة مفجعة.. لحظة لم يعرف فيها قلبك الرحمة أو لغة الدموع... لحظة لا أملك تفسيرًا لها.. لحظة.. ابتلعت سنوات طويلة كوحش كاسر يدوس فريسته تحت أقدامه، هكذا باختصار معك كانت نهاية حياتي... لحظة ودعتك فيها وودعت معها أمومتي وبيتي.. لحظة وبعدها سأعيش همومًا جديدة من نوع مختلف.. لحظة لم أكن أعرف أنك قد خططت ورسمت فيها اللمسات الأخيرة لحياتك معي.. لحظة لم أدرك فيها أن الطلاق سيطرق بابي ويخطف أحلامي.. لحظة لم أملك فيها إلا الصمت بعد أن سالت دموعي كدماء تنزف من جرح غائر بأعماقي، إنها اللحظة المحسوبة بالدقيقة والثانية في عمر الزمن.. وعمري أنا.. لحظة.. أحسست بعجزي واختلطت أحاسيسي بداخلي.. لحظة كنت فيها جسدًا بلا روح أو ملامح... لحظة سكن فيها طائر الحزن فوق سمائي.. هكذا مرت اللحظة الأولى، وستبقى لي اللحظة الأخيرة في عمري أصارع فيها الوقت، أكافح أحزاني وأهزم هزيمتي.. لحظة لا تكفي فيها كلمات تعبر عما في أعماقي.. لحظة ضاع فيها بطرفة عين وبسرعة الضوء شبابي.. لحظة طويت فيها بيديك آخر صفحة في كتاب حياتنا.. فغابت عني الحقيقة، وفشلت في الوصول إليها حتى بعد أن قلت كلمتك، ولو كان للدنيا عيون لبكت على حالي، ولو كان لها لسان لتكلمت بما كنت أعاني.. وبرغم جحودك ونكرانك انفصلت عني، وأنا أحمل بأعماقي حبك الذي يسكن بين ضلوعي، وما يعزيني في مصيبتي أنني كنت في يوم ما حبك وحياتك ومستقبلك.
أنين المشاعر
رحلت أنت وتركت بداخلي طيفك، وصبر طال غدت ذكراك شمس ما تغيب وصورتك ظلي
حكيت وما لقيت من الحكي إلا الندم موال سكت ومتّ بالحسرة ولا أدري وشهو أحسن لي
أحبك كل ما فيني يحبك يا خلي البال تخيلتك دواي وصرت جرحي الصعب يا خلي
طلال العبدالعزيز الرشيد