جميعنا
لدينا شوق طبيعي للسعادة، يلازمنا طوال حياتنا، ومهما حرمتنا الحياة لا تصل لمرحلة السواد، فالسواد والحقد والحسد كلها من صنع أيدينا، فالسعادة تسكن بداخلنا، وفي أعماقنا ولا نشعر بها، وكل إنسان منَّا يمكنه أن يمتلك هذا الإحساس، ويستمر معه عندما نتعلم أنَّ السعادة قرار نابع من درجة رضانا عن واقعنا وحياتنا، وأن نفرِّق بين السعادة والسرور والحزن. فالسعادة أمرها مختلف تمامًا. السعادة تقبع في داخلنا، وتعيش معنا بصرف النظر عن المشاعر الوقتيَّة المصاحبة لانفعالاتنا الوقتيَّة، سواء بالحزن أو الفرح، فجذور سعادتنا وحتى تعاستنا لا ترتبط بالعوامل الخارجيَّة، لكنها ترتبط ارتباطاً مباشراً بما في أعماقنا بغض النظر عن الظروف الخارجيَّة، فالحبُّ والحنان والتواصل مع الآخرين، والمساندة الاجتماعيَّة لها تأثير قوي، فقد اكتشف العلماء أنَّ الحزن والكآبة والعزلة تسبب لصاحبها ضموراً في خلايا المخ، خاصة الفص المسؤول عن المزاج، والتعلم، والذاكرة، والتكيف مع الحياة، فأساس السعادة النفسيَّة يتضمن الإحساس بالانتماء للأسرة وإلى المجتمع، فالتجارب أثبتت أنَّ الحبَّ والتسامح والرحمة والتضحية ومساعدة الآخرين والعطاء لها تأثيرها الواقي من الاكتئاب والقلق. والحبُّ عموماً بجميع أنواعه وأوله حبُّ الله ثم حبُّ الوالدين، والحبُّ بين الأزواج والأبناء والآباء، كل أشكال وألوان الحبِّ، تقوي جهاز المناعة في أجسامنا، وتساعدنا على مقاومة الأمراض. فالحبُّ منحة إلهيَّة، وسلاح قوي ضد الأمراض والاكتئاب والشيخوخة، فما علينا إلا أن ننشط الحبَّ في أنسجتنا وخلايانا؛ لنعيش حياة كلها سعادة وصحة، فالإنسان هو صاحب القرار وصاحب إرادة إذا أراد أن يكون سعيداً أو مكتئباً. ولو سألنا أنفسنا لماذا كل هذا الأنين، ولماذا لا نهدأ ولا نطمئن، وتأملنا قول خالقنا «ألا بذكر الله تطمئن القلوب» لعرفنا أنَّ ذكر الله الدائم، والقناعة والرضا بالقضاء والقدر، ستخفف هذا الأنين. وإذا كانت هناك منغصات فقد تكون أحياناً من تصرفاتنا، وإذا كانت تمطر علينا حزناً أو سعادة فهذه هي سنة الحياة وقانون التغير، فكما توجد أمور سعيدة هناك أمور حزينة، فلماذا نرى ونسعد بالسعيد، ولا نريد أن نتقبل ونرضى بالتعيس، وكلما كنا مشغولين بالتفكير في التعاسة سيبتعد عنَّا الإحساس بالسعادة، فالعاقل إنسان لا يسعى إلى نيل السعادة، بل يسعى إلى تجنب الشقاء، فالحياة تنقضي وتمر بسرعة مذهلة، ونحن في سباق مع الزمن، فاليوم ملكنا وهو ملكية غالية، إنَّها الملكيَّة الوحيدة الأكيدة بالنسبة لنا؛ فلا داعي للقلق على مستقبلنا، وعلينا الاهتمام بحاضرنا.
أنين السعادة
كيف نقيّم سعادتنا نحن كأفراد؟ هل بمنح رغباتنا العنان لتنطلق أم كبحها؟ وهل سعادتنا الحقيقيَّة نجدها في داخلنا أم هناك ضرورة للركض خلفها؟ وهل صحيح أنَّ السعادة لابد أن تكون مشروطة، ويخطئ من يعتقد أنَّ هناك سعداء بلا شروط. وأخيرًا هل ستنتظر في مكانك إن كنت تعتقد بتعاستك إلى أن تأتيك السعادة، وعندها قد تكون غير محتاج لها؟
نجوى هاشم