mena-gmtdmp

قلب أمي وقلبي

أميمة عبد العزيز زاهد

أحمد ربي على أن وهبني الفرصة لأشعر ما معنى خوف الأم على أبنائها، وأشكره سبحانه على أن منحني العمر لأنجب وأعرف مدى سوء فهمي عن سبب انزعاجها وقلقها عليَّ عندما كنت أتصرف تصرفًا غير لائق، أو لو تأخرت عن إنجاز ما يطلب مني، إنها فرصة لأتأمل فيها أمي بإحساس عميق وحب أعمق، فمع كل موقف أعيشه مع أبنائي يزداد عشقي وحبي لأمي، حب من نوع آخر غير الحب الشفوي، فهو حب عملي، وكلما تذكرت أدق تفاصيل تربيتي التي أسقطتها ذاكرتي، فإذا بي أزيد تعلقًا بأمي بعد أن تبدلت المواقع وتغيرت الأدوار، ووجدت نفسي أفكر بطريقة مختلفة في أمي، طريقة لم أكن أفهمها بمعناها الحقيقي الذي أعيشه الآن مع أبنائي بعدما شعرت الآن بما كانت تقوله لي: كما تدين تُدان، وسيفعل بك أبناؤك كما تفعلين بي، جملة كانت تمر على أذنيَّ مرور الكرام، ولم أكتشف قيمتها وأشعر بمحتواها غير الآن، نعم الآن عندما يستغرب أبنائي وأنا أشرح لهم معنى الخوف وقيمته في قلب الأم، وكيف أن القلق يفترسني واكتشفت مشاعر كانت خافية عليَّ كابنة، شعرت بها كأمٍّ لها طعم آخر ومذاق آخر، وملامح أخرى وأعماق لم أكن أدركها في ذلك الوقت، شعرت بأمي وكلماتها وأحسست بمدى تعبها ومعاناتها مع كل موقف يمر بي مع أبنائي، والآن الزمن منحني تفسيرًا لقرارات كنت أرفضها وأحكام كنت أتذمر منها وأوامر كنت أستعجب لها، الآن أراها وأحسها وأشعر أنها كانت هي عين الحكمة، وأدركت أن ما كنت أظنه قسوة كان حبًّا وحنانًا، وما كنت أراه تجبرًا وتحكمًا كان خوفًا، وما كنت أعتقده ديكتاتورية كان قمة الديمقراطية.

الآن بدأت أشعر بالندم تجاه أمي ـ حفظها الله ـ عندما كنت أردد دومًا بأني أريد أن أقتنع بما تطلبه مني، وكانت تعتبر ذلك معارضة صريحة ورد جواب بجواب آخر، وكنت في النهاية أنفذ ما يطلب مني حتى من دون اقتناع، والآن أبنائي ـ حماهم الله ـ يريدون المصارحة حتى يقتنعوا بما أطلبه منهم، فلو لم يقتنعوا فإنهم يعتذرون، لأن وجهة نظرهم تختلف عن وجهه نظري، وبأني لا أرى ما يرون وبأني لا أفهمهم ولا أجاري عصرهم وسنهم، ويُفتح باب الحوار والتفاوض لنصل إلى حل يرضيهم حتى لا أكون أمًّا ديكتاتورية أو أمًّا تعيش بعقلية من العصر الحجري، نعم الآن الوضع مختلف، فخبرتي وتجربتي ومعاناتي، التي اكتسبتها من خلال مشواري، بالتأكيد ليست لها نفس المكانة في تفكيري كابنة، فمداركي كانت محدودة والانفتاح كان مقننًا، أما أبنائي ـ ولله الحمد ـ في هذا العصر يعلمون ويستوعبون ما فشلت أنا في استيعابه.

لا أعرف هل التعليم والثقافة لهما دور في ذلك، فأمي ـ جزاها الله عني كل خير ـ لم تتعلم، لكنها كانت أعمق وعيًا وأكثر تقدمًا بشخصيتها الرائعة، فيما أنا أقاوم وبشدة ألا أفرض رأيي على أولادي وأترك لهم حرية الاختيار، وأحاول ألا أُشعرهم بقلقي وخوفي عليهم، وأن أتابعهم وأمنحهم توجيهاتي كتلميح، ودومًا أسأل أمي ـ حفظها الله ـ هل هكذا تعبت وسهرت وضحيتِ وآثرت وقلقتِ وخفتِ في تربيتي؟ وترد عليَّ بالتأكيد، لأنني لم أولد كبيرة ويكفي أن الله، سبحانه وتعالى، أوصى المولود بالوالد، ولم يوصِ الوالد بالمولود، أبنائي أحبائي ورصيدي وسعادتي لن تشعروا بما عانيته مهما تكلمت إلا بعد المعايشة لمعنى الشعور الجميل بالأمومة.

أدعو الله وأبتهل إليه أن يجزي خير الجزاء أمي وكل أمٍّ، وأدعو كل الأبناء أن ينير السميع البصير بصائرهم ليبرّوا آباءهم ويحسنوا إليهم.

 

أنين الأمومة

الأم هي حصن الأمان ونحن في قمة الأحزان، هي منْ تدفن أحزانها وتخفي انفعالاتها وراء ابتسامة تمنح الأمن، فلا يوجد في العالم ما ينافس لحظة أمان تجمع الأم مع ابنتها في نظرة أو عناق أو حتى دمعة واحدة، والإنسان مهما طال عمره يظل طفلاً حتى تموت أمه فيشيخ وتعذبه مرارة اليُتم.

 

همس الأزاهير

حديثك العذب يا أماه يورقني

إذا تحدثت سيف الهم ينكسر

ما زال في جبهتي من قبلتيك ندى

وفوق خاصرتي من عزفك الوتر

ما زال حجرك مهتزًا يداعبني

طفلاً ينام على أحداقه القمر

علمتني أن الأيام جارحة

وأن خفق السنا يأتي به الظفر

لو كان لي ألف قلب كنت أسكبه

على رضاك وما في خاطري ضجر

حمزة عبد الرحمن هوساوي