يأتي شهر رمضان في كل عام بعد طول غياب، يزفّ إلينا الخير والبِشر والبركات، فهو شهر فضله الله على سائر الشهور، شهر تتنزل فيه الرحمات وتغفر الذنوب، وتقال فيه العثرات، وتفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبوب النيران، وتصفد فيه الشياطين. هو شهر القيام والتهجد والتراحم والتواصل والتسامح، شهر الخير والتقوى والصبر والكرم والإحسان، شهر تتضاعف فيه الأجور. ها نحن نعيشه ومعنا من معنا ممن كتب الله لهم الحياة، وفقدنا من فقدنا من الأحبة الذين أسأل الله العلي القدير أن يعمهم برحمته ورضوانه، فنحن في شهر السعيد منَّا من أدركه واتخذه فرصة للمحاسبة وللمصالحة، وفتح صفحة جديدة تكون بداية التوجه الصحيح إلى الله جلَّ جلاله.
يا له من فضل عظيم، فنحن الأمة التي منحنها رب العالمين ما لم يمنحه أيَّ أمة أخرى. وهب لنا سبحانه هذا الشهر المبارك العظيم، ويا له من مكسب كبير، يبدل الله جميع سيئاتنا حسنات، فما يزهد عن هذا المكسب إلا جاهل، فلنغتنم ساعاته ولياليه بالعمل الصالح وشكر الله بالقلب واللسان والجوارح، وأن نلتقي دوماً بالصدق والإخلاص والمحبة والوفاء، ولا نضيع على أنفسنا فرصة التوبة والدعاء والتطهر وطلب المغفرة والرحمة، فهو شهر وحيد في فضله عظيم في أجره، فالملائكة تستغفر للصائمين حتى يفطروا، فعلينا أن نتسامح مع من أسأنا لهم، ونصل من قطعنا ونعطي من حرمنا ونعفو عمن ظلمنا، ونراجع كشف حسابنا وما حصدناه طوال حياتنا، ونبتهل إلى الله أن يغفر لنا ما اقترفناه في حق أنفسنا، وفي حق من حولنا، ونتمنى الخير لنا ولكل الناس، ونتزود بكل ما هو كفيل بأن يخفف علينا حسابنا، ويثقل ميزان حسناتنا فلعلنا لا نلحق به في العام المقبل.. فما أجمل أن نلتقي في رمضان بالصدق والإخلاص والوفاء والمحبة، فبالحبِّ نعيش ونسعد من دون لوم أو تجريح فنطوي آلامنا ونفتح قلوبنا للمحبة، ونتمنى الخير لنا ولكل الناس، فالحياة قصيرة وكل شيء إلى زوال، فلا شباب دائماً، ولا غنى سيدوم ولا فقير سيخلد، فهناك فرق بين أن يعيش الإنسان بقلب محبٍّ وبين قلب حاقد، وبين أفكار صادقة وأخرى تتصارع وتعصف بكل ما حولها، وبين مشاعر صافية وأخرى تعيش الخوف، وبين نظرة تتمنى الخراب وأخرى تتمنى العمار. فيا ليت العام كله «رمضان» لنكسب ثوابه وأجره العظيم، وبقدر فرحتنا باستقباله بقدر ما نرفع أيدينا بالدعاء راجين من المولى أن يعيده علينا، ونحن أسعد حالاً وأكثر إيماناً وحباً.
اللهم أعنا على صيامه وقيامة والعمل الصالح فيه وفي غيره من الشهور، وثبتنا على الطاعة؛ حتى نلقاك على الوجه الذي يرضيك عنَّا، وأقرر عيني سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، بأمته إنَّك سميع مجيب الدعاء. وكل رمضان ونحن وجميع الأمة الإسلاميَّة والعربيَّة ننعم بالصحة والعافية والخير والمحبَّة والعدل والسلام.