mena-gmtdmp

لغة التفاهم

أميمة عبد العزيز زاهد
قالت: أتحدث إليكِ، كوْني امرأة وزوجة، وليست موظفة وقياديَّة وذات شخصيَّة قويَّة، قرأت لك مقالاً عن التسامح بين الزوجين.. واسمحي لي بأن أقتبس جزءاً منه، قلتِ فيه: «فبعض الأزواج ليست لديهم قدرة على السيطرة على انفعالاتهم أو التحكم في مشاعر الغضب أو حتى مقاومة إحباطاتهم العامَّة في الحياة، ولم يستوعبوا أنَّ هناك فرقاً بين أن تكون الزوجة هي الحضن الذي يحوي هذا التنفيس وبين أن يجعلها أداة يستخدمها للتنفيس عن غضبه».. للأسف إن ما ذكرته هو الجو الذي كنت أعيشه في بيتي لمدة تتجاوز العشرين عاماً.. وأكيد كان للتربية دور كبير في تشكيل شخصيَّة زوجي، الذي تربى وحيداً، مع والده فقط، تربية قاسية جداً لا مجال فيها للخطأ أبداً، على عكس تربيتي أنا؛ فقد تربيت في جو أسري مترابط متحاب، يغلفه الاحترام، له مساحة واسعة في التعلم من الخطأ، ومن مبدأ الثواب والعقاب، لقد كان زوجي يغضب من أقل هفوة مقصودة أو غير مقصودة، وغضبه يتمثل في الصمت الرهيب والنظرة المخيفة القاسية، ولا يراعي ردة فعله، حتى عندما نكون خارج البيت، فلا يسمح بالحوار أبداً، وهذا أسلوبه معي ومع أبنائنا، وتستمر حالة الصمت أياماً تتعطل فيها لغة الكلام، ويصبح الهمس الممزوج بالخوف هو الحوار القائم بيني وبين أبنائي، ويكون خلال هذه الفترة قد بنى بداخله التصورات، ورسم الخيالات الخاطئة، ولا يعود طبيعياً إلا بعد أن نقدم كل الاعتذارات والقبلات على الرأس واليدين، حتى في أبسط المواقف كنت أسرع إليه لتقديم الاعتذار، وتحميل نفسي مسؤولية الخطأ، وكان أبنائي يطيعونه؛ خوفاً منه، وعندما كبروا أصبحوا يرفضون هذه الديكتاتورية، وحاول كل منهم التخلص من هذا الجو؛ عن طريق الهروب؛ إما بالزواج، وإما بالسفر للدراسة. أما أنا فأهرب لعملي الذي كنت أجد فيه متعتي، وكنت أشتغل فيه أكبر وقت في المنزل؛ حتى لا تحدث أي صدامات أو معارك لا تتحملها أعصابي، وأنا ما زلت أعلل ديكتاتورية زوجي وعدم تسامحه؛ بسبب تربيته القاسية، بجانب زواجي في سن صغيرة، ودائماً يقول لي: «أنا من ربيتك وكبرتك وعلمتك وصنعت منك شيئاً مهماً»، فشعوره هذا يجعله رافضاً التسامح مني بأي حال من الأحوال، وتقبلت واقعي، حتى حدث الانقلاب الكبير في تفكيره؛ من خلال ابنتنا الصغرى، فقد كانت لها مكانة كبيرة خاصة في قلبه، لدرجة جعلته يتقبل منها الحوار ويجلس ويتناقش معها بالساعات؛ يستمع، وينصت، وكانت ترفض بكل أدب قراراته من دون حوار ومناقشة، وكانت بالفعل هي محور تحوّله؛ بعد أن لمس نفور كل من حوله بالبقاء معه، وبعد أن تقدم به العمر، وبالتدريج لمست التغيير، وأصبح يتحاور معي، ويلجأ للاعتذار إن أخطأ، وتعلم متأخراً بعد أن ضيّع أجمل سنوات عمرنا؛ بأن الحوار والمشاركة والتفاهم من أهم الأسس لاستمرار الحياة الزوجيَّة بصورة طبيعيَّة