mena-gmtdmp

متعة الكاذب!

أميمة عبد العزيز زاهد

 

الكذب هو الإخبار بما لا يطابق الواقع، أو هو مخالفة القول للواقع، وهو من آفات اللسان التي نهى عنها الله تبارك وتعالى، وهو مفتاح لكل شرٍّ، وقد قال صلى الله عليه وسلم «الكذب باب من أبواب النفاق». إنَّ الصراحة أسرع الطرق للوصول إلى عقل الناس والقضاء على أي بلبلة أو سوء فهم، والعكس صحيح فالإنكار والإصرار على الكذب يؤدي إلى اتساع حجم المشكلة حتى تصل إلى درجة تصعب السيطرة عليها، إنَّ من اعتاد الكذب هو إنسان ضعيف الشخصيَّة، لديه نقص، وقد يكون المحيط الاجتماعي ومجالسة أهل السوء من أحد أسبابه، فالبعض يكذب كعادة اعتاد عليها، ويستمر في ممارسة هذه الهواية السيئة إلى درجة يصدق فيها أكاذيبه، فالكذاب المتمرس لا يهتز له جفن، وينعم قلبه بهدوء يجيد به حكايته، ويبهر سامعه، ويقنعه بمغالطاته، ويترنم بصوته ليصدق من أمامه كذبته ليستحوذ على قلبه وعقله، ونحن تعودنا على سماع الكذب منه، ويعتقد أنَّه استطاع أن يخدعنا فهو بارع وماهر، يعرف كيف يحقق أهدافه بأسلوبه الملتوي، وهناك من يكذب عندما يستعصي عليه الوصول لمبتغاه بالأساليب الطبيعيَّة، فيخرج الأمر من يده ويظل خائفًا من أن تنكشف كذبته ولو ظهرت ينكرها، وينتحل الأعذار ويقدم المبررات التي لا تجدي ولا تعفيه لتغطية أفعاله، ويجره خوفه من كذبة لأخرى. وهناك من يكذب لو كان بينه وبين أحد عداوة، فيبدأ البحث عمّا يشفي غليله من هذا المخالف فيكذب عليه، ويلصق التهم به رغبة في إلحاق الأذى به، وهناك من يكذب بسبب الحقد، فهو كذب مقرون بالحسد، فيحسد شخصاً على ما آتاه الله فيكذب عليه ليبغضه الناس، فإذا رأى أحداً متفوقاً في العلم أو مترقياً في الفضائل أو غير ذلك يقلل من شأنه، ويرميه بكل نقيصة، ويتهمه بما ليس فيه؛ حتى يصرف عنه الناس، ويشككهم في إخلاصه وصدقه وجدارته، وهناك من يكذب لجلب المنفعة لنفسه، أو لدفع الضرر عنها، وهناك من يكذب للتخلص من المواقف المحرجة؛ خوفًا من العقاب أو العتاب، ويتهاون الكاذب في هذه المسألة الخطيرة؛ لجهله بعاقبة الأمور، ولا يعلم ما أعد الله تعالى له.

 

أنين السلوك

يشعر الكذَّاب بمتعة كبيرة حين يحسُّ أنَّه استطاع أن يتخلص من مأزق صعب، ويفبرك رواية مفتعلة لتفسير تصرفه أو تأكيد ما يبعد عنه الشكوك، ولو كان شجاعاً وصادقاً لصدع بالحقيقة بصرف النظر عن التبعات، ومن كانت هذه أخلاقه فإنَّه يكون «رخيصاً»، ومن رخص في عيوننا سقط من نفوسنا، ومن يسقط من نفوسنا لا تصبح له تلك القيمة التي منحناها له، وبالتالي فإنَّ الارتباط به يصبح مجرد عادة إن هو لم يكن مصلحة أو ضحكًا متبادلاً على الذقون، فمن يكذب عليك اليوم يبيعك غداً.

 «هاشم عبده هاشم»