قالت: ضاعت الخصوصيَّة في زحمة تفاصيل الحياة الروتينيَّة المملة، ولم يعد لدينا أنا وزوجي وقت للتعبير عن مشاعر الحبِّ الذي جمع بيننا رغم ما في أعماقنا من أحاسيس، وكل خوفي من أن تجف مشاعرنا وتتحوَّل أيامنا إلى صحراء قاحلة، وتصبح مسافات البعد والجفاء أشبه بأسوار من حديد تحجب نور القمر ودفء الشمس.
فطوال النهار أكون في وظيفتي، وبعدها تأخذني تفاصيل الحياة اليوميَّة من متطلبات المنزل ورعاية ومتابعة الأبناء، وعندما يبدأ الليل ارتمي بجسدي المنهك المتعب بعد المجهود الذي بذلته، عندها أجد زوجي قد نام في سبات عميق بعد يوم شاق ومرهق استنزف فيه العمل قواه البدنيَّة والذهنيَّة، ويحتاج للراحة. فنحن لا نكاد نلتقي لكي نتحدث حديثاً خاصاً أو نتبادل الآراء في شؤوننا، وتتوالى الليالي الباردة خالية من لحظة أو جلسة وصال، بدأت أشعر بأننا وقعنا في خطيئة البعاد، وقتل رغبات الروح والجسد والنفس، وزرع ذلك في أعماقنا الوحشة والضجر، وتراكمت مشاعر الجفوة، وأصبحت عادة تعودنا عليها؛ حتى تحوَّلت الأشواق إلى رماد بعد أن فقدنا أنا وهو قدرتنا على التواصل، وأصبحنا كآلة مبرمجة تسير وفق مخطط مسبق لا نحيد عنه، وبالتالي غلفنا الجمود وفقدنا الحماس بعد أن تركنا قلبينا فريسة للإهمال، وأصبحت نفوسنا تدور كالرحى في دوامة مشاغل الحياة، وأصابنا العطل العاطفي بعدما خيم الملل، وانحسرت العواطف وازدادت الأعباء نتيجة للإجهاد الذي فرض نفسه علينا، واستمرت بنا الحياة حتى احتلت مشاعر الخريف قلوبنا قبل أوانها. فكيف لنا أن نلتقي وسط هذه الدوامة؟ وكيف نحيي الروح التي خلقها الله؛ لتعلو وتسمو بالأحاسيس والمشاعر الطيبة؟ وكيف نغرس في أعماقنا مشاعر نحن من أهملناها؟ أعترف بأنَّ الانشغال بالبحث عن معيشة أفضل وتحمل المسؤوليَّة العائليَّة يعتبر نوعاً آخر من الحبِّ، وإن لم يكن بالكلمات فهو في حد ذاته أبلغ تعبير عن الحبِّ، وإن بدا للبعض غير ذلك، لكننا في الواقع لا ننكر أننا نحتاج إلى التعبير عن الحبِّ من وقت لآخر باللافتات العاطفيَّة، والكلمات الموجهة والمباشرة والحلوة. نحتاج للمسة حنونة ولجلسات عائليَّة نتناقش ونتحاور ونتجاذب أطراف الحديث، ولله الحمد تفاهمنا أنا وزوجي حول الوضع المتأزم الذي وصلت إليه علاقتنا، فالملل إذا تسرب إلى قارب الحياة الزوجيَّة أحدث نوعاً من عدم التوازن، وإذا ما اتسعت الثغرة من دون محاولة لمعالجتها، فقد تحطم سعادتنا وربما تدفع بنا إلى نهاية أليمة. لذا فكرنا بضرورة تدارك سعادتنا قبل فوات الأوان، وأن نحرص على تجديد حياتنا وسط هذه الدوامة، وقررنا أن نقوم بإعادة ترتيب الأولويات، وأن ننظم ونخطط بحيث نمنح الوقت الكافي لمشاعرنا مهما كانت الظروف، ومهما كانت الأعباء والمشاغل، فالأمر يحتاج لإعادة تفكير في نمط حياتنا ومحاولة تحسينها بقدر المستطاع، وإعطاء الوقت الكافي لنمو المشاعر والعاطفة، بدلاً من إهدارها تحت وهم اسمه ضغوط الحياة.