قالت: توقفت لحظات وأنا في العام الحادي والثلاثين من زواجي وكأنني ألتقط أنفاسي، وتساءلت.. ترى كيف مضت هذه السنوات؟ وهل أنا كما أنا قبل ثلاثين عامًا في بداية حياتي الزوجية؟ وهل مازال زوجي كما هو؟ بالتأكيد لا وألف لا، دعيني أخبرك بأنني قد قسّمت حياتي الزوجية إلى ثلاث مراحل حتى أستوعب تجاربي في مدرسة الحياة، وكيف كانت بوصلة مشاعري في كل مرحلة منها؟
فالسنوات العشر الأولى كانت: مشاعر الخوف – الغموض – الوقوف – السقوط – الشكوك – القلق – الحب – التعلم بعد التخبط! لم تكن واضحة هل هو حب أم احترام؟ خاصة أن زوجي كان متزوجًا، وكانت له مغامرات عديدة، وبدأت نقطة التحول والمعاناة، فلم تكن مشاعري مستقرة، فقد كنت أشعر بأنني دخيلة على أسرة كانت تنظر إليَّ بمنظار يؤلمني، وأصبحت أتحسس من كل شيء، وأي مشكلة تحدث أشعر أن وجودي هو سبب هذه المشاكل، كنت حذرة في تصرفاتي، أحاول بقدر الإمكان ألا أجرح مشاعرهم، فكنت خلال تلك السنوات أحاول فهم زوجي وفهم زوجته وبناته! بالتأكيد تخللت تلك السنوات مشاكل عديدة، وكانت علاقة زوجي بزوجته الأولى ما بين شدٍّ وجذب، ولا تخلو من الغيرة، خاصة أنني أنجبت الابن الأول بعد 7 بنات منها، لكنني تعاملت معهم بما يرضي الله، وللأسف لم أتمكن من كسبهم، فنار الغيرة التي تصاعدت عند زوجته الأولى أصبحت الحياة معها جحيمًا لا يطاق، حاولت الانفصال لأربي أبنائي بعيدًا عنهم وأتنازل عن حقوقي الزوجية وأن يبقى هو معهم، لكنني كنت أطلب المستحيل، فلم يقبل زوجي، وكان متمسكًا بي، وهذا ما جعلني أصبر وأتحمل، ولم تكد تنتهي السنوات العشر الأولى حتى ارتبط زوجي بزوجة ثالثة، وكنت أحمل في أحشائي الابن الرابع، وصبرت أو تصابرت، واعتبرت هذا الزواج ابتلاء من الله، لأشعر بمعاناة الزوجة الأولى، ولم تخل هذه الفترة من المشاكل والمعاناة التي بلغت ذروتها، ومضت السنوات العشر الثانية بطيئة ذات حمل ثقيل، فقد كان كل هدفي في الحياة هو تربية أبنائي ورعايتهم، وأن أكون لهم أمًّا وأبًا، وأن أمثل لهم الزوجة والأم الراضية، حتى لا أتسبب لهم في أي عقد نفسية، فما ذنبهم لأتركهم للضياع والحرمان العاطفي بعد أن اتضح أمامي بأني أحيا مع زوج لا يعرف ماذا يريد وما هو هدفه في الحياة؟ كل همه أن يتزوج من دون التفكير في أي اعتبارات أخرى، واتجهت بمشاعري في هذه السنوات إلى أبنائي، منحتهم الحب والحنان، زرعت فيهم الصبر وحب الخير والرضا بكل ما يكتبه الله لنا، أما السنوات العشر الثالثة فكانت بدايتها أسوأ من ذي قبل، بعد أن تزوج زوجي الزوجة الرابعة وطلق الثالثة، وكثرت المشاكل وكبر الأبناء وأصبحوا في سن الزواج، هذه السنوات أحداثها تعادل أحداث العشرين السابقة، فكانت المفاجآت والفاجعات تتسارع، وتغيرت أحداث كثيرة، فزوجته الأولى طلبت الطلاق وطلقها والزوجة الرابعة، مع الأسف صدمت زوجي صدمة لم يتوقعها بعد أن اكتشف خيانتها ومطالبتها الطلاق، تاركة وراءها أطفالها الصغار، وها هو الآن يبحث عن زوجة بديلة لتربي أطفاله، وفي نفس الوقت انشغل في تدبير المكائد للانتقام منها، ورغم تصاعد المشاكل إلا أنني أصبحت إنسانة أخرى أكثر صبرًا، فلم أتدخل ولم أعترض على أي مشاكل أو أحقاد، فقد مرضت ابنتي الصغيرة بمرض جعلني أستصغر كل المشاكل، وربما كان مرضها نعمة من الله، لأتقرب منه وأشكره عزّ وجلّ الذي قربني إليه، فرغم قسوة حياتي إلا أن ما مرّ بي منحني القوة والصبر والثقة بالله، وها أنا أنظر إلى حياتي بعين الرضا، وأسأل الله أن يجعلني من الصابرين.
أنين الاحتياج
«البعض نحبهم.. لأننا لا نجد سواهم..
وحاجتنا إلى الحب تدفعنا نحوهم.. فالأيام تمضي والعمر ينقضي.. والزمن لا يقف..
ويرعبنا بأن نبقى بلا رفيق».
جبران خليل جبران