لا يوجد بيت خالٍ من الاختلافات بشتى أنواعها وأحجامها وألوانها، فهي كالبهار للطعام، إذا كثر فيه أصبح ضارًّا، وإذا لم نضعه أصبح لا طعم له، ومن الطبيعي حتى لا تكون الحياة رتيبة ومملة، لا بد من أن يتخللها القليل من البهارات، لكن مع الأسف كثير من الأزواج يجهلون كيفية التعامل مع مشاكلهم الخاصة، مما يؤدي إلى تفاقمها، وخلق مشكلات أخرى مترتبة عليها... ولو علم كل طرف أن محاسن أحدهما تقف أمام نقاط ضعف الآخر فلن يبقى لهما إلا سد العجز الكامن في كلًّ منهما، والمشكلات تختلف وتتفاوت من بيت لآخر، فهناك من يتعداها ويتخطاها ويتجاوزها ويتأقلم معها، وبعض الأزواج تتسع الفجوة بينهما ويصبح كل طرف يعيش في وادٍ بعيدًا عن الآخر، وهناك من تنتهي به إلى طريق مسدود، ولو تفهم كل منهما أن له الحق في المناقشة بشرط أن يدرك أن الاختلاف في وجهات النظر أمر وارد، واحترام الرأي حق يجب تقديره. ليسير قارب الزواج كما يحبان.
كما أن أي حوار له مهارة، كذلك فإن معالجة الأخطاء فن من المهم أن يعرفه الزوجان، فعندما يكون الاختلاف حقيقيًّا وموضوعيًّا لابد أن يتم اختيار الوقت المناسب للحوار والتفاهم فيه، ولا يتطاول أحدهما بأي صورة من الصور ولو بمجرد لفظ خارج على حدود الأدب والاحترام... ولا بالضرب أو الإهانة والتوبيخ والتأنيب والجلد بسياط اللسان السليط، فالمناقشة سببها موقف ما فلا داعي لتوجيه الإهانة للشخص... ولا يتحامل طرف على نفسه، ويتحمل الإساءة والإهانة، والأفضل أن يلتزم أحد الطرفين الصمت في حالة غليان الطرف الآخر لتفادي الاصطدام المدمر، وحتى تتم المحافظة على استمرار الحياة... ولا تناقش أي مشكلة مهما كانت أمام الأبناء أو الأهل أو الأصدقاء، فالاختلافات ليست معركة يعتبر كل طرف نفسه ندًّا وخصمًا للآخر، ولابد أن ينتصر؛ لأن انتصاره يعني خسارة شريكه، فلا ينسى أي طرف أن الطرف الآخر يمثل له نفسه، وأنه لا يمكن أن يقف ضد نفسه، لأن كلاًّ منهما يكمل الآخر، فهما ضلعان في معادلة واحدة، ولابد أن ينتهي الحوار نهاية سلمية وبشكل إيجابي... فلا مجال لتصيد الأخطاء والتذكير بالعيوب والمنّ، ولا داعي لرفع الصوت والعصبية المبالغ فيهما، ولا تخرج التصرفات على الحكمة والرزانة... ولا تقدم عريضة الاستفسارات والطلبات في أي وقت، لأن هناك أوقاتًا مناسبة لبداية التحاور، والهدف من المناقشة هو البحث عن حلول والوصول إلى التفاهم الذي يرضي الطرفين، ولا تكون المشاجرات هي الوجبة اليومية.. ولا يقتحم أسرارهما أي فرد خارج أسوار مملكتهما، فمهما اشتدت الخلافات فبالحب والتفاهم تسير السفينة إلى بر الأمان، فرباط الزواج رباط مقدس، وهو من أقوى الروابط.
لذا أعود وأقول إن التكافؤ ركن مهم من الأركان التي يجب أن تتوفر لإنجاح العلاقة الزوجية، ولقيام بيت متين قوي يمكنه مواجهة أي عاصفة تعصف به، ولا يكون هناك تفاوت بيئي، خاصة أن لكل طبقة اجتماعية عاداتها وتقاليدها وممارساتها وثقافاتها التي تختلف من طبقة لأخرى، سواء في الصفات والطباع أو اختلاف المستوى التعليمي والثقافي والمادي، فإن ذلك يؤثر سلبًا في مستقبل العلاقة، فهناك معايير يجب ألا نستهين بها، فكثير من المشكلات التي أدت إلى الطلاق كانت بسبب اختلال ميزان التكافؤ... ولو تم الزواج عن طريق الحب فقط، فسرعان ما يعصف به عدم التكافؤ؛ لأنه يواجه مشكلة أكبر وأعمق منه، فإذا تمكن الزوجان بالحب أن يتجملا ويخفيا عيوبهما في السنوات الأولى، لكن مع مرور الوقت ستنكشف الحقائق، فيكون من الصعب استمرار العلاقة، لأن الفوارق الاجتماعية والثقافية ستظل قائمة تمثل عائقًا كبيرًا أمام مواصلة المشوار، لأن هذه الفوارق ستزيد وتتسع وتصيب العلاقة الزوجية بالتوتر والإحباط، فهناك عوائق أقوى وأعمق من الحب بكثير.
همس الأزاهير
ليس خليلي بالملول، ولا الذي إذا غبتُ عنه باعني بخليل
ولكنْ خليلي من يدومُ وصالُهُ ويحفظ سرّي عند كلّ دخيل