من طباعي التي استحدثتها، وعودت نفسي عليها ألا أبكي على الأطلال، أو أحاول تذكر ما آلمني في الماضي، فيكفي المخزون الذي أملكه في حاضري، كما أنَّ رصيد ذاكرتي لن يستوعب كميَّة الأحداث الجارية حتى يخزن الأحداث الماضية، لكن ودون سابق إنذار -وأنا في ساعة صفاء مع ذاتي- عاد شريط كامل من ذكرياتي يثير مخيلتي، عاد إلى ذلك اليوم الذي فقدت فيه وعيي، إثر حادث مروري، وحتى اللحظة التي استيقظت فيها ووجدت نفسي في المستشفى الذي نقلت إليه.. ومعي وأمامي وحولي كل من أحبهم ويحبونني.. فجأة استرجعت كل تلك الذكريات الجميلة والتعيسة.. المفرحة والمؤلمة مع نفسي راجعتها لحظة بلحظة، تذكرت أنَّ هناك من سألني كيف كـان شعورك لحظـة وقـوع الحـادث؟ فعلا لم أعرف كيف أصف شعوري الحقيقي، فقد كان من الصعب وصفه بدقة لأنَّه إحساس فظيع ومحير، فأنا لم أكن أشعر بنفسي هل مازلت حيَّة أم أصبحت في عداد الأموات، ولا أدري هل كنت أحلق في السماء أم أهيم فوق الأرض.. أو أني كنت داخل قبو أسمع أصوات الغلبة والضوضاء من حولي ولا أرى أحدًا. أحسُّ بيد تمسكني لترفعني ولا أشعر بها! أحسُّ بدماء تنزف مني وهناك من يضمدها ولا أدري من أين مصدرها! لم أكن أملك أي ردات فعل ولم استخدم أي حاسة من حواسي سوى يدي اليسرى التي كنت أحاول بها أن أتأكد من أن جسدي لايزال مستورًا.
وكانت أعماقي تستغفر الله.. ولا أدري بعدها ماذا حدث لي أو ما الذي يؤلمني بالضبط، ولم أدر بالتغيرات التي أصابتني من جراء الحادث، ولم أشعر بمدى آلامي وشدتها إلا من خلال نظرات من زارني، فكل من دخل عليَّ رأيت منظر عينيه من هول ما رأى، لحظتها تأكدت بأنَّ بي شيئًا عظيمًا، وخفت على نفسي نتيجة خوف من حولي عليَّ، ورغم ذلك فـلله الحمد من قبل ومن بعد. عشت أسابيع أعاني مما أصابني ورغم ذلك كان هناك شعور بالسعادة وأنا أرى وأسمع دعاء وحب وخوف ولهفة من حولي وسؤال البعيد والقريب.. القاصي والداني.. الكبير والصغير، مشاعر حملت لي أجمل الكلمات، وأروع الأحاسيس، وأصدق الدعوات، وهذا في حد ذاته نعمة كبيرة منحني إياها الله، فالفضل لصاحب الفضل ولا أنكر أنَّه بجانب كل تلك الأحاسيس الرائعة، والمشاعر النبيلة هناك القلة التي لا تعد على أصابع اليد الواحدة من لم تكلف نفسها بالسؤال عني، ولم تزرني إلا بعد شهور، ورأيت الذهول عندما شاهدتني وقالت لي لقد سمعت بأنك تشوهت ولا تستطيعين حتى الكلام، فكنت أضحك وأرد بأنَّها شائعات. وحمدت رب العباد بأن هذه النماذج هي نادرة في محيط حياتي.
أنين التعلم
تعلمت أنَّ دوائي في رضائي بالقضاء والقدر.