عودة للمقال السابق عن اتفاقية السيداو التي تطالب (المادة الخامسة) فيها –وبشدة- بتغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لدور كل من الرجل والمرأة، وألغت تدريجياً كلمة جنس واستبدلتها بمصطلح الجندر، أو النوع الاجتماعي. والجندر ليست مجرد كلمة، إنما هي منظومة فلسفية متكاملة من القيم الغريبة على مجتمعنا الإسلامي، تهدف إلى إلغاء جميع الفروق بين الرجل والمرأة، والتعامل مع البشر على أنهم نوع من المخلوقات المتساوية في كل شيء من الخصائص والمقومات، هدفها إباحة الانحلال الجنسي والمثلية بشعارات مختلفة منها إباحة الإجهاض الناتج عن العلاقات المحرمة، كما نادت هذه الجماعة بتفعيل مساواة النوع، والاعتراف الرسمي بـ(الشذوذ، وحماية حقوق الشواذ)، وإلغاء القوانين التي تعاقب على جريمة الزنا والشذوذ بين البنات، بل والسعي لقبولهن من قبل المجتمع، وتشجيع الشباب على ممارسة الزنا والجهر به، واعتبار ذلك تعبيراً عن (المشاعر)، ودعماً لتعليم الممارسة الجنسية بمختلف أشكالها الطبيعية والشاذة.
ومن القضايا التي تحاول البرامج (الجندرية) التصدي لها الوظيفة الاجتماعية للرجل والمرأة على افتراض أن الرجل يهيمن على المرأة ويمارس قوة اجتماعية وسياسية عليها ضمن مصطلح المجتمع الذكوري، وبالتالي يجب منح المرأة قوة سياسية واجتماعية واقتصادية تساوي القوة الممنوحة للرجل في جميع المستويات حتى في الأسرة، وهنا يظهر مصطلح «الصحة الإنجابية»، وهو حسب المنظور «الجندري» والهادف إلى معالجة الإشكاليات الناتجة من وظيفة المرأة كأم على مستوى الإنجاب التي قد تقف عائقاً أمام ممارستها لدورها «الجندري» المساوي لدور الرجل، ومن هذه الإشكاليات الحمل والرضاع وغيرهما من الوظائف الفسيولوجية للمرأة.
فالداعون إلى «الجندر» يعتبرون أن الفوارق التشريحية، والفوارق بين وظائف الأعضاء والهورمونات بين الرجل والمرأة لم تعد ذات قيمة، وأنه يمكن تخطيها واعتبارها غير مؤثرة، بل واستغناء كل منهما عن الآخر فلا تكامل بين الرجل والمرأة، ولا افتقار لأحدهما إلى الآخر لا في الجانب الاقتصادي ولا الاجتماعي ولا الجنسي، فالمرأة وفق هذا المفهوم تستطيع أن تقضي وطرها مع امرأة مثلها، والرجل يستطيع أن يقضي وطره مع رجل مثله، وبالتالي فإن ذلك نتاج طبيعي لأنشطة «الجندريين» التي تهدف إلى إزالة الاختلافات الثقافية والاجتماعية والوظيفية بين الرجل والمرأة تحت شعارات المساواة ومهما كانت غاياتها، إلا أن هذه البرامج هدفها هدم الكيان الأسري، فهي تتنافى والفطرة التي خلق الله عليها الإنسان رجلاً وامرأة، وتصطدم بشكل سافر بعقيدتنا وديننا الذي نؤمن به، تلك العقيدة التي ترتكز على أن الإنسان الذي خلقه الله من زوجين آدم وحواء جزء من الثنائية المتناغمة في هذا الكون، والتي يتحقق بها التوازن، والثبات، والإعمار. ومهما حدث فسيظل دعاة المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة عاجزين أمام التغير فيما خلق رب العالمين الذكر والأنثى هذه الحقيقة الواضحة غير القابلة للتغيير والعبث