الحياة الطيبة والأسئلة العميقة

مها طيبة

 

بدأت رحلتي عندما اعترفت لنفسي بأن حياتي ليست هي الحياة التي كنت أتمنى أن أعيشها. ولا أنكر أني - بفضل الله وتوفيقه - حققت كثيراً من الإنجازات على المستوى الخاص والمستوى المهني، ولكن كثيراً ما كنت أشعر بفراغ داخلي لا أجد له تفسيراً إلى أن حل عام 2020 ليعرفني إلى نفسي أكثر. عام جائحة فيروس كورونا الجديد، عام الحظر والتباعد وسنة انقلاب الموازين. فما كان متاحاً أصبح ممنوعاً وبالعكس. صحيح أن كل العالم شاركنا الحظر، ولكن شعرت وكأن الجائحة تتحدث معي بشكلٍ خاص «ركزي يا مها في ما هو مهم». أدركت عدم قدرتي، وإن حاولت، على الانفصال عن الأحداث الكونية التي تحدث في عالمنا. الجائحة التي لايزال العالم يعاني منها ومن آثارها، حملت معها كثيراً من الدروس والحِكم، لي ولكل واحدٍ منا، الأحداث عالمية ولكن الدروس خصوصية.  حظر التجول الخارجي كان دعوة للتجول في داخلي… والمحظوظ من تتهيأ له الظروف ويحظى بنعمة تفقّد ما في داخله… نَعم !…

من أكبر النِعم أن يأتي الوقت الذي أستطيع فيه أن أهدأ وأتفقد ما في داخلي بجدية.. بدأت تجربة التعرف إلى روحي وحكمتها، وإلى قلبي ومشاعره، وعقلي وأفكاره، وجسدي وأحاسيسه. هذه الرباعية الجميلة التي هي أنا… ومن هنا بدأت رحلتي مع الحياة الطيبة…

بدأت المشوار عندما استمعت للأسئلة العميقة والمهمة التي ارتفع صوتها بنفاد صبر. يردد الكثيرون: «الأمور ماشية الحمد لله، لِمَ تبحثين عما يعكر مزاجك؟ اتركي الأسئلة الكثيرة». وردي دائماً بأننا نسأل لنرتقي، لنتقدم، لنصبح نسخة أفضل من أنفسنا، لنستزيد من الخير، لنحمي أنفسنا من شر. نسأل لنتشافى؛ لأن أرواحنا تدرك أن هناك حياة أفضل ممكن أن نعيشها… نسأل لنحيا حياة طيبة. قررت أن أعيش مع أسئلتي، وأتحمل كل ما تثيره من آلام ومن حقائق عن جوانب مظلمة قد تكون في داخلي. في كثير من الأحيان كنت أقع في حب إجابة معينة وأعيش فيها وأتمسك بها على الرغم من كل المؤشرات والعلامات التحذيرية التي تأتيني بطرق مختلفة. هذه المرة قررت أن أقع في حب أسئلتي…

وأعطي فرصة لروحي وقلبي وجسدي بالمشاركة في الوصول إلى الإجابة. كثيراً ما كنت أتلافى التبحر في الأسئلة العميقة، أو أقنع نفسي أنني قبطان ماهر أجد الإجابة في أول ساحل يصادفني. كثيراً ما نَفِدَ صبري بانزعاج من مرحلة الحيرة التي تصاحب هذه الأسئلة العميقة. فإما أن أترك السؤال وبالتالي أفقد الفرصة الذهبية للإجابة عليّ، وإما أن أستعجل الإجابة فتكون إجابات سطحية لا تضيف لي أي جديد. كنت أخاف من السؤال؛ لأنني كنت أخاف من المجهول الذي يرافق حيرة الوصول إلى إجابة، وكنت أقلق من فقدان السيطرة على قراراتي، إلى أن أدركت أن السؤال يشحن طاقتي ومرحلة الحيرة تقربني من هدفي أكثر. قررت أخذ نفسٍ عميق؛ لأبدأ هذه الرحلة الجميلة والممتعة، والشاقة أحياناً. قررت أن أترك بحر الأسئلة يتلقفني ليسبر أغواري.

فبالأسئلة العميقة تبدأ رحلتي مع الحياة الطيبة، أشارككم كل مرة عبر هذه الصفحة بعض الأسئلة وأطرحها عليكم؛ لأن الحياة الطيبة لا تحلو إلا برفقة الطيبين.