اللحظات الحاسمة

مها طيبة

 

في كل يوم تمر بنا لحظات حاسمة، تقرر مسار اليوم، وتراكم هذه اللحظات يصبح أيامنا وأعمارنا. تختلف وتتمايز اللحظات الحاسمة في يومنا، فمنها ما يأتي مع سلوكيات نقوم بها يومياً مثل لحظة الاستيقاظ من النوم، أو بعد تناول وجبة الغداء ومنها ما يصاحب تفاعلنا مع شخص معين أو مواقف معينة ما يثير شرارة الاستجابة بطريقة محددة وبعض هذه اللحظات تأتي مرة في العمر، وكأننا في عرض مستمر نُمنح فيه فرصاً لا نهائية لتغير حياتنا إلى حياة أطيب.

وكثير منا يحلم بتلك اللحظات الحاسمة التي تأتي مرة في العمر ويعوِّل عليها لتقلب حياته رأساً على عقب، فنحلم أن نجد الفكرة "المليونية" التي ستحقق كل الأرباح، أو أن نقابل شريك الحياة الذي سيسعدنا أو أن نحصل على الاجتماع الذي سيفتح لنا أبواب الدنيا وما فيها... وكثير منا يهمل تلك اللحظات الحاسمة التي تبدو في ظاهرها متواضعة ولكنها ومع تكرارها قد تغير مجرى حياتنا... فعندما نبدأ يومنا بالشكر والامتنان لما أتينا من نعم لحظة ما نستيقظ من النوم - كل يوم - فقد بدأنا يومنا برضى وبركة، ومع مرور الزمن وتكرار العمل تصبح كل أيامنا مليئة بالرضى والبركة، أليس لهذا الاستثمار اللحظي أثر تراكمي على منظورنا الإيجابي لحياتنا على المدى البعيد؟ أليست اللحظة الحاسمة التي نقرر فيها أن نقضي ربع ساعة ممتعة ومخصصة مع ابنتنا الصغيرة كل يوم هي استثمار لحظي له أثر تراكمي على الذكريات الجميلة التي ستحتفظ بها طوال حياتها؟ ناهيك عن اللحظة الحاسمة التي نقرر فيها أن نذهب إلى النادي الرياضي عوضاً عن مشاهدة برنامجنا المفضل، أليس الأثر على صحتنا سيبدو واضحاً في نهاية الشهر ونهاية السنة والخمس سنوات؟

في كثير من الأحيان نفقد السيطرة على التصرف بالحكمة المرجوة مع هذه اللحظات الحاسمة التي نواجهها يوماً، وتكون العادة هي الآمر الناهي في كثير من الحالات، فكيف نتغلب على عاداتنا ونستعيد مقود السيطرة لنغير اتجاه الدفة؟ يجب أن ندرك أن هناك ممرات عصبية تشكلت و"حُفرت" في دماغنا نتيجة لتكرار سلوك معين حتى أصبح عادة. وتغير هذه الممرات العصبية الموجودة وتشكيل ممرات عصبية جديدة نتيجة لتغير سلوكنا واكتساب عادات جديدة مهمة تستهلك طاقة عالية من الدماغ، والدماغ دائماً يسعى لتوفير الطاقة. فما الحل إذاً؟ أن نبدأ بأمور بسيطة، ونبتعد عن المثالية ونختار أولوياتنا بعناية قصوى وأن ندرك أن المشي في طريق جديد سيستهلك منا طاقة إضافية في البداية ولكن عندما نمشي على طريق ذاته مرات متعددة سيُعبد لنا ويصبح المشي فيه أكثر سهولة ونزيد من تعظيم الفائدة من تلك اللحظات الحاسمة.