mena-gmtdmp

أولئك الذين لا يخجلون!

مريم شمص
مريم شمص

هناك أشخاص لا يخجلون! وهذه حقيقة واقعة، على الرغم من شدّة أسفنا، لكنها حقيقية وموجودة.
لا يخجلون أن يستعملوك للوصول إلى أهدافهم، ولو كانت أهدافهم تنحصر في مجرّد قضاء وقت ممتع في فترات ضجرهم، بينما إذا احتجت أنت بعض السلوى في وقت وحدتك، تنصّلوا وانسحبوا بكل وقاحة إن لم يناسبهم الأمر.
لا يخجلون أن يقصّروا في حقك أو حق غيرك، ولا أن يتجاهلوا واجباتهم نحوك أو نحو غيرك، ويسمّون تقصيرهم هذا "ظروفاً" أو "عراقيل"، وفي المقابل لا يخجلون من عدم شكرك على معروف قدمته، وكأنك مجبرٌ على تقديم هذا المعروف لهم!
لا يخجلون أن يكذبوا عليك ويجاملوك وينافقوا حين تستدعي مصلحتهم ذلك، ولا يخجلون كذلك أن يديروا ظهرهم أو يختفوا حين تنتهي مصالحهم معك.
يمنحون أنفسهم المبررات لكل شيء، فهم دائماً المعذورون. هم دائماً من غالبتهم ظروفهم فلم يستطيعوا، ودائماً من طرأ عليهم طارئ فلم يقدروا. وهم دائماً وطبعاً وفي كل الأحوال "على حق". فتجدهم لا يخجلون مثلاً من التأخّر على مواعيدهم من دون الأخذ بعين الاعتبار وقت منتظريهم أو أعصابهم أو مشاغلهم، ولا يعتذرون فهم بنظر أنفسهم لم يخطئوا، بل لا يكلّفون أنفسهم حتى عناء التبرير! بينما من ناحية أخرى تجدهم لا يخجلون من جرح مشاعر إنسان أو إحراجه بحجة عقابه إن أخطأ، فما يحقّ لهم لا يحقّ لغيرهم.
لا يخجلون أن يتفاخروا بفرحهم أمام حزين بائس أو يشهروا بهجتهم أمام مُبتَلى بمصابٍ أليم، متناسين أن لحزن الآخرين هيبة يجب احترامها ولأوجاعهم رهبة يجب مراعاتها.
لا يخجلون أن يتباهوا بقوتهم أمام ضعيف، ولا بغناهم أمام معدم، ولا بصحتهم أمام مريض تحت ذريعة إظهار النعمة، متجاهلين أن الأوجب في هذه الأحوال مراعاة مشاعر الناس وخواطرهم خاصة الموجوعين منهم.
تراهم من فرط أنانيتهم يتغاضون عن أخطائهم ولا يعترفون بها، حتى لو أدّت إلى إيذاء غيرهم، بل بالعكس لا يترددون في إنكارها والإصرار على أنهم ضحايا، وأنّ غيرهم هو المخطئ مهما كانت النتيجة، فمشاعر الناس آخر همّهم.
وتجدهم من شدّة حبّهم لأنفسهم يتعمّدون التقليل من إنجازات غيرهم أو حتى إنكارها، ويتقصّدون عدم منح التقدير والتكريم لمن يستحقّه فعلاً، فبنظرهم، الضوء من حقهم هم فقط، وكلّ من ينجح أو يتميّز من غيرهم ناجحٌ "بالمصادفة". أمّا هم، فكلّ فشل أو تعثّر في حياتهم ليس إلّا بسبب الظروف والحظّ فقط!
وقد يصل الأمر لدى الأشدّ وقاحة منهم إلى درجة الافتراء واختلاق الأكاذيب دعماً لمواقفهم وزيادة مكتسباتهم المادّية أو المعنوية على حساب غيرهم.
هؤلاء الناس، الناس الذين لا يخجلون.. علينا أن نعاملهم بقسوة وحزم، فلا نسمح لهم بالتمادي في أفعالهم معنا بحجّة اللياقة والتهذيب. فهم ببساطة، لا يستحقّون لياقة ولا مسايرة، بل يستحقّون ألا نخجل منهم، ولا نتساهل معهم، بل بالعكس أن نلزمهم بمعاملتنا كما يجب أن تكون المعاملة، تحت طائلة شطبهم من حياتنا إلى الأبد.