mena-gmtdmp

أبغض الحلال

أميمة عبد العزيز زاهد
لو نظرنا إلى واقعنا نجد مع الأسف أن الطلاق قد شاع بصورة خطيرة؛ حتى أصبح ظاهرة، باتت تسبب القلق للجميع، فالأرقام التي نسمعها عن حالات الطلاق، ترتفع كل يوم بنسب كبيرة، ولا أحد يستطيع أن يعرف الأرقام الحقيقية، وإن كانت كل المؤشرات تؤكد أنها كبيرة وكبيرة جداً، وأخطر ما في الطلاق هو هذا التحدي السافر من الأجيال الجديدة والمسارعة إليه عند أول صدام، والتهور في اتخاذ القرار‏.‏ أو قلة الصبر على تبعات الحياة الزوجية، وتبرير ذلك بسوء الحظ، و‏لابد لنا من التصدي لظاهرة استسهال الطلاق، واستثمار كل إمكانياتنا الثقافية بطريقة إيجابية، فحجم الاحتياج كبير، وحجم المسؤولية أكبر. ترى هل من أسباب الطلاق طغيان المادة على المشاعر الطيبة والقيم الإنسانية النبيلة؟ هل السبب هو العنف الذي يجتاح العالم، فكل هذه الحروب، التي جعلت لكل شيء قيمة ما عدا الإنسان؟ هل السبب هو وسائل الإعلام والتمثيليات والأفلام، التي تنقل داخل بيوتنا، وتصور لنا الحياة الزوجية «بمبي في بمبي»! أم بسبب التساهل في أمر الطلاق، ولم يعد ذلك القرار الخطير الذي كان يقيم الدنيا ولا يقعدها! وقد يكون السبب هو القهر الذي تتعرض له الفتاة؛ نتيجة لإجبار الأهل لها بالزواج؛ لتحقيق رغبتهم في الاطمئنان عليها؟ أم لتعصب بعض فئات المجتمع للزواج القبلي والإجباري، الذي يفرض على الفتاة والرجل في نفس الوقت، وهل هناك فرصة واضحة في نجاح مثل هذا الارتباط، الذي يتم بين منْ لا يجمعهما أي توافق فكري أو ميول مشتركة؟ وهل أصبح الحب مجرد رفاهية، ليس من حق الجميع أن يطمحوا فيه؟ أم يعود لعدم معرفة الزوجين كيفية التفريق بين التوافق والتطابق، فالمطلوب هو التوافق وليس التطابق! أم يكون بسبب عدم وجود القدوة الصالحة للحياة السعيدة، وعدم تهيئة الفتاة أو الرجل لمسؤولية الزواج! أو بسبب غلاء المهور والتعرض للضغوط المادية، التي لا طاقة لتحملها إلا شريحة قليلة، ولا تمثل المجتمع ككل! أم بسبب التظاهر في بداية العلاقة بإظهار كل التصرفات والتعامل المزور والمغموس بالكذب والخداع، وبعد العشرة تُكشف الأقنعة، وتظهر المعالم الأساسية للشخصية، ومن جهة ثانية هناك مشكلة أخرى، وهي تردد بعض الأسر في القبول بشبان أو شابات سبق لهم الزواج، وهذا في حد ذاته يمثل أحد الروادع، التي يمارسها المجتمع؛ لإشعار الشباب بخطورة قرار الزواج وقرار الانفصال، وضرورة عدم الاستخفاف بأيهما‏.‏ فهناك من يحرمون بالفعل من السعادة والاستقرار لأسباب خارجة عن إرادتهم‏،‏ كما أن هناك من حرموا منها لأخطاء ارتكبوها، واستوعبوا التجربة جيداً‏‏، وأصبحوا أكثر حرصاً على العلاقة الزوجية من غيرهم،‏ وهناك أيضاً من صادفتهم أقدار كانت أقوى منهم، فانهزموا أمامها، وهؤلاء يستحقون دائماً فرصة ثانية للسعادة والاستقرار، إن أبغض الحلال عند الله الطلاق، وقد يكون أحياناً هو الحل الوحيد لبعض الحالات، وتكمن مشكلة الطلاق أن آثاره وتوابعه، لا تتوقف عند الانفصال بين الزوجين، ولكنها تستمر، وقد تزداد عنفاً وقوة، وقد تفوق خسائره كل التوقعات