أم تتحدى المستحيل مع ابنها المصاب بالتوحد

16 صور

نورة الحميدي معلمة صفوف أولية متقاعدة، وهي من منسوبات وزارة التربية والتعليم، وعضو مؤسس في جمعية أسر التوحد الخيرية، لديها أنشطة منوعة، ما بين المشاركة في فعاليات الأطفال، والمهرجانات الوطنية والتراثية، والعمل مع مرضى التوحد وذوي الاحتياجات الخاصة، تفضل دائماً أن يطلق عليها اسم «أم فيصل»، تولت شؤون ابنها الأول المصاب بمرض التوحد، ولم تكن تدرك بدايةً حقيقة مرضه، واجهت خلال 26 عاماً العديد من الصعاب، لكنها تخطتها بإرادتها القوية، وقد سردت قصتها مع ابنها لـ«سيِّدتي»، وكيفية تحديها المستحيل حتى رأت ابنها أمامها يكبر ويتعلم ويكون عضواً فعالاً في المجتمع، من خلال هذه السطور:

بداية المعاناة
تقول نورة الحميدي: «بعد مضي فترة من زواجي، حملت بابني (فيصل)، وكان حملي طبيعياً، ولم أشعر بأعراض غريبة أثناء هذه الفترة، وعندما أنجبته كنت مهتمة جداً به؛ لأنه الطفل الأول، وأتابعه دائماً، وعندما بدأ يكبر كنت أشعر بأن نظراته وتصرفاته ليست كبقية الأطفال الطبيعيين في مثل عمره؛ فكثفت مراقبتي له، وبدأت أشعر بالخوف عندما بدأ يكبر قليلاً؛ حيث لاحظت أن تصرفاته غريبة، وكان لديه فرط حركة وعدم تواصل مع من حوله، إضافة إلى اختفاء اللغة لديه؛ فبدأت بالتفكير بعرضه على طبيب حتى أطمئن عليه».

اللجوء إلى طبيب
وأضافت: «عندما بلغ ابني العام والنصف، ذهبت به إلى الطبيب حتى أطمئن على حالته، وكان مرض التوحد ليس معروفاً في ذلك الوقت، وذكر الطبيب أنه طبيعي وقد يكون السبب في تصرفاته هذه وراثياً، ولم يقنعني بتشخيصه؛ فذهبت به إلى أطباء آخرين لم يستطيعوا اكتشاف ما يعاني منه، وقالوا: (إن به تخلفاً بسيطاً في عقله)، ورغم عدم اقتناعي بتشخيص الأطباء، إلا أنني أردت مواصلة طريقي بالبحث ومساعدة ابني، وفي لحظات تفكير مع النفس أدركت أن الله، سبحانه وتعالى، يريد أن يختبرني، وأعطاني هذا الابن؛ فأصبحت أعطيه اهتماماً ووقتاً أكثر، ورغم تخوفي من إنجاب أطفال قد يعانون من نفس مرض شقيقهم، إلا أنني توكلت على الله، وقررت أن أنجب إخوة له يقفون بجانبه ويساعدونه مستقبلاً؛ فأنجبت ولداً وبنتاً آخرين، والحمد لله، هما بصحة وعافية، ولكن اهتمامي كان منصباً على تطوير (فيصل) الذي كان يحتاج إلى عناية أكثر من الآخرين، ولا أنسى فضل والدتي -رحمها الله- وأسرتي؛ فهم من ساعدوني بالاهتمام به أثناء ذهابي إلى العمل، لكن فكري وقلبي كانا مشغولين عليه؛ فكنت دائمة التفكير بكيفية مساعدته لتخطي المصاعب، وهناك أسئلة كثيرة كانت تخطر ببالي تلك الفترة، جعلتني في صراع دائم».

رحلة التحدي مع فيصل
تواصل أم فيصل حديثها قائلة: «كنت أجهل الكثير من الأمور وكيفية التعامل مع ابني المصاب بالتوحد، ولكنني كنت أحاول أن أجرب جميع الطرق حتى يتجاوب معي، وكانت تمر عليّ ساعات يأس وتعب من الاهتمام به؛ لأنني لم أدرك أنه مريض أو يعاني من خلل معين، لكن سرعان ما أحاول التراجع، وأجد نفسي أعود أقوى من السابق، وربما معاناتي كانت بسبب عدم اهتمام والده به، وعدم مساعدته لي بالعناية بطفلنا المريض؛ ما زاد من ألمي، وكنا نختلف كثيراً حول حالته، وقررت الانفصال عن زوجي بعد اختلافنا على أمور كثيرة، وأصبح العبء مضاعفاً عليّ؛ فقد كنت الأم والأب لأبنائي الثلاثة، ولكن فيصل كان يحتاج إلى عناية أكبر؛ فبدأت بتحفيظه سوراً صغيرة من القرآن الكريم، وفوجئت بأنه يتقن بسرعة ما أقوله له، وهذا الأمر شجعني على مواصلة تعليمه؛ وكان من أكثر اهتماماتي ألا أخفي ابني المصاب بالتوحد عن مجتمعي الذي أعيش فيه، وكنت أصحبه إلى كل مكان وأفتخر به؛ حتى تزداد ثقته بنفسه».


اكتشاف إصابته بالتوحد
وعن اكتشاف إصابة فيصل بالمرض، تقول: «بدأت أقسم وقتي وجهدي حتى لا أقصر في أي مهمة من أجل إسعاد أبنائي، وبعد أعوام من تشخيص الأطباء لحالة ابني، وعندما بلغ الثالثة من عمره، تلقينا دعوة عبر إحدى الجمعيات من الأميرة سميرة الفيصل، التي طلبت الالتقاء بجميع الأمهات اللاتي يعاني أبناؤهن من أمراض تخص الاحتياجات الخاصة، وذهبت مع ابني بناء على ما قرره الأطباء سابقاً، أن به تخلفاً عقلياً، وبعد الكشف عليه من قبل مختصين، أدركت أن ابني لم يكن يعاني من تخلف عقلي كما شخصه الأطباء؛ بل إنه مصاب بالتوحد، ولا أنسى فضل الأميرة سميرة الفيصل التي ساعدتني أنا والكثير من الأمهات بكشف حقيقة ما يعاني منه أبناؤنا».

تغير مساري وتوجهي
تتابع: «هنا تغير مساري معه؛ حيث كرست جهدي بمعرفة كل ما يخص هذا المرض، وأخذت العديد من الدورات الخاصة بهذا المجال؛ حتى أتعامل مع طفلي وأوجهه بالطريقة الصحيحة، والحمد لله أستطيع أن أقول إنني نجحت بتغيير مسار ابني والسير به إلى الطريق الصحيح؛ فمن خلال الدورات التي التحقت بها، استطعت أن أتصرف بطريقة صحيحة معه، وكنت مصرة على تثقيف نفسي بالمعلومات والاكتشافات الطبية عن هذا الخلل الوظيفي الذي يصيب المخ، كذلك اشتركت في المؤتمرات والندوات الطبية التي تهتم بهذا المرض؛ حتى استطعت أن ألتحق كمعلمة في معهد التربية الفكرية، واستطعت أن أعرف مواطن القوة في شخصية ابني وبراعته في جانب الحفظ حتى استطاع وبفضل الله الحصول على جائزة الأمير سلطان بن سلمان في حفظ جزء (عم) عام 1419هـ، وبدأت بتشجيعه وتحفيزه، وشارك بالكثير من المحافل، كما حصل على جائزة الشيخ محمد بن صالح لحفظ القرآن، والحمد لله نجحت رغم المصاعب، وأصبح شقيقه وشقيقته يهتمان بكل ما يخص مرضى التوحد لمعرفة طريقة التعامل المثلى مع شقيقهما، والآن ابني فيصل يبلغ من العمر 26 عاماً، ويحفظ القرآن الكريم، وأنا فخورة به جداً، وأشعر بأنه نعمة أعطاني إياها رب العالمين لتغيير مسار حياتي».


أمنيات تتمناها لفيصل
وتمنت نورة الحميدي؛ قائلة: «أتمنى أن يكون لدى ابني محل خاص بأشرطة القرآن الكريم يعمل به، وأن أستطيع أن أوفر منزلاً مناسباً له، وأن أراه عريساً في المستقبل وأفرح به، وأن أجد فتاة تدرك كيفية التصرف معه؛ فمرضى التوحد يكونون مطيعين، ويمارسون حياتهم بشكل شبه طبيعي إذا أدركت كيفية التعامل معهم».

• فيصل في سطور:
عمره 26 عاماً.
حفظ جزء «عم»، وحصل على المركز الأول وجائزة الأمير سلطان بن سلمان عام 1419 في طفولته.
حفظ القرآن الكريم، وحصل على جائزة الشيخ محمد بن صالح لحفظه القرآن.
يحب مشاهدة التلفاز والاستماع إلى الراديو وسماع القرآن ومشاهدة الصلوات في الحرمين المكي والمدني.
يكره تكرار الأوامر والنوم مبكراً والاستيقاظ في الصباح.
اكتسب مهارات عديدة، كاهتمامه بنظافته الشخصية ونظافة غرفته ومحيطه.