برغم أن الطلاق هو أبغض الحلال، إلا أنه جُعل عند استحالة العشرة بين زوج وزوجة كرها الحياة معاً، ونهاية علاقة غير صالحة للاستمرار، فيتوصل الطرفان معاً لهذا القرار، بعد أن يكونا قد بذلا كل جهدهما للإصلاح، وبعد محاولات عديدة لتجنب انهيار كيان وهدم أسرة وتشتيت أطفال، ولكن يا له من ألم عندما يبدأ الصراع العنيف على من اختارهم حظهم العاثر ضحية لأقرب الناس لهم، لآبائهم وأمهاتهم، فأوقعوا عليهم ظلماً وفرضوا عليهم أزمات فتكت بطفولتهم وبراءتهم بلا رحمة، بعد أن تم استخدام الضحايا كدروع بشرية تخفي وراءها مرارة التجربة، ورغبة في الانتقام وتصفية الحسابات؛ انتقاماً وإذلالاً للطرف الآخر، فيعاني الأبناء من الضغوط الاجتماعية والمادية والعاطفية، وتتعدد المشكلات النفسية والصحية والمظاهر السلبية التي يعانون منها؛ بدءاً من الخوف وعدم الثقة، وانتهاءً بالتمرد والعنف والسلبية والانطوائية والهروب والانحراف وغيرها، نتيجة لعوامل مترابطة، منها داخلي ومنها خارجي، وتزداد آلامهم وتتضاعف إذا كانت المشاحنات مستمرة لا تنتهي، وكانت هناك كآبة ونكد واستخفاف لأي حق من حقوق هؤلاء الضحايا.
يقول شاب لم يتجاوز العشرين من عمره: «كان من الممكن أن أعيش حياة هادئة مستقرة، وأكون طالباً ناجحاً ومتفوقاً، ولكن حظي لم يسعدني، فلقد فتحت عينيّ لأجد نفسي أعيش وسط أسرة مفككة غارقة في المشاكل والإهمال.. لم يكن الضياع بعيداً عني، بل كان على بُعد خطوة مني. بدأت رحلتي مع الضياع وأنا في سن البراءة.. حياة غريبة لا تعبّر عن طبيعة الطفولة البريئة. كنت أرى وأنا في تلك السن أن زملائي يحظون برعاية آبائهم ومتابعتهم والاطمئنان عليهم، عكسي؛ فقد كنت أعود إلى منزلي في أي وقت كسير الخاطر، مهموماً، تستقبلني مشاجرات ساخنة تنتهي غالباً بضربي وطردي من المنزل لأيام لا يسأل فيها عني أحد، وكبرت وزادت أعبائي التي خنقتني، وجعلتني أسيراً لإحساس العاجز عن الشعور بالأمان والراحة، وتهت في دوامة أمي وأبي، بعد أن عاش كل منهما بعيداً عن الآخر، فإذا زرت أبي غضب وثار ويقوم بإعادتي لأمي، وإذا لجأت لأمي تقوم بإهانة أبي في شخصي، وأشعر بأني كالهمّ الجالس على صدرها، وهكذا أحيا كل يوم في دوامة أكبر من سني. حاولت أن أجد أحداً يحتضنني أو يقتل بداخلي إحساس النبذ الذي استبد بي، لم أجد من يسمعني أو يلبي ندائي، وكان الشارع هو مكاني الذي أظل أتجول فيه معظم ساعات الليل، ولم أستغرق وقتاً طويلاً حتى لعب الشيطان برأسي، ولم أجد إلا أصدقاء السوء. كان هذا هو الطريق الوحيد الذي فتح لي ذراعيه ورحّب بي، واستقبلني في عالمه، ودخلت دنيا جديدة من الضياع لم أكن أتوقعها، أعود وأقول إن حب الآباء لأبنائهم حبٌ فطري زرعه الله في وجدانهم وقلوبهم، فكيف يصل الحال إلى ما وصلنا إليه، وفي زماننا هذا، مع الأسف لا عاد الأب هو الأب، ولا عادت الأم هي الأم إلا من رحم ربي، بعد أن طغت الحياة المادية والمصلحة الذاتية والأنانية على الحياة الطبيعية»..