mena-gmtdmp

إنسان ماتت مشاعره

أميمة عبد العزيز زاهد

 

قالت: انكسر الطموح في نفسي، وضاع حلمي في السعادة، وأيقنت أنَّها النهاية الحتميَّة لحياتي مع زوجي، فلم تكن هناك ذرة أمل لتعديله أو لتغيير وضعي للأفضل. أنا الآن لست بحاجة إلى أن أرى دموعه؛ لأنني على ثقة بمعاني الخداع والكذب والقسوة؛ التي تخفيها وراءها، فالحوار لن يجدي مع إنسان، ماتت مشاعره منذ زمن بعيد، فقد عاشرته، وأعرف تماماً جميع مبرراته وأعذاره؛ التي لن تُجدي معي، ولن تجد لها صدى في أعماقي، إنَّها مأساتي، وخسارة دفعت أنا ثمنها الباهظ، وعشت تفاصيلها المريرة، بعد أن قادني حظي العاثر للارتباط بإنسان بلا قلب أو ضمير، فلم يشعرني بحبه، ولا باحترامه، ولا بثقته؛ حتى أشعره باحترامي وحبي وتقديري، لم يروض نفسه على الإحسان، ولم يعودها على الرحمة، فهو كالأرض القاحلة؛ التي ليس فيها شيء من معالم الحياة، ولم ينبت فيها يوماً شجر، ولم ينبع منها ماء؛ لذا فضلت الانسحاب، وانحزت لكبريائي؛ لأحافظ على الجزء الباقي من كرامتي، فكم تظلمت وصرخت من داخل سجنه، لكن صرخاتي كانت تضيع في سكون الليل. الليل كان هو الشاهد الوحيد على ظلمه، لكنه مع الأسف، شاهد أخرس، فقد كان الحبُّ من وجهة نظر زوجي، مذلة ومهانة وتنازلات مستمرة، كان يظن عندما تزوجته؛ أني سلمت له وثيقة ميلادي؛ شاملة معها كرامتي وكياني وآدميتي؛ ليبطش بوجودي بلا رحمة، ويصر على مضاعفة إحساسي بالمهانة، وما عليَّ سوى أن أبذل وأضحي وأعطي من دون أن يفكر في المقابل ما الذي أحتاجه أنا.. إنَّ آلامي تعذبني بصفة مستمرة، آلام تتنفس مع أنفاسي، وتجري في عروقي، وكأنَّ الهمَّ معجون بأيامي، ويختبئ تحت جلدي. كنت ألتزم الصمت والصبر؛ لعله يعود لصوابه، لكنَّه كان يعتقد أنَّ سكوتي يعتبر موافقة ضمنيَّة على تقبلي لواقعي، وصور له خياله، بأن ضعفي هو الذي يدفعني للهرب من مواجهته، فلا قدرة لي على تحمل كلماته السامة. كلمات تندفع كطلقات المدافع، وضربات السيوف التي تجرح وتُدمي القلب والوجدان‏.. كلمات مسمومة؛ قتلت مشاعري، وجرحت أحاسيسي، ولم يدرك أثرها السيئ على نفسي، وخطورته في كياني، وكم أشعرتني بنقص في أنوثتي، وعندما كنت أرفض كل الضغوط التي يمارسها عليَّ لأتنازل عن متطلباتي ورغباتي وحقوقي؛ كان يتصرف كديكتاتور؛ فينفرد بقراراته، ويمارس سلطته وجبروته؛ للضغط على كل مراكز إنسانيتي، ويستمر في ظلمه، وأستمر في صبري؛ حتى وصلت الآن إلى مرحلة أفقت بعدها من مسلسل التنازلات؛ الذي استنزفني، ولم تثمر أقواله وأفعاله في أعماقي إلا الكآبة وفتور المشاعر وخمود الروح‏..‏، طلبت منه أن يدعني وشأني، وبعد معارك طاحنة دارت دوائرها بين المحاكم؛ نلت حريتي، والآن أحاول أن أسترد ما فقدته من كرامتي وآدميتي وإنسانيتي وأنوثتي، وأبذل جهدي؛ لأتذوق طعم السعادة، وأشعر بلذة الأمان؛ متجاوزة بذلك حدود المكان والزمان.