mena-gmtdmp


تقول نوال الراشد في أحد مقالاتها «مما يدهش حقًّا أن هناك إغفالاً واضحًا لمناقشة نشوز الزوج وهجره لزوجته بنفس الأسباب، وأنها من المسائل التي لا بد من مناقشتها بالمثل، خاصة أنها من القضايا المسكوت عنها من قبل الزوجات، لكنها موجودة لخصوصية العلاقة بين الزوجين وجهل المرأة بالحقوق وبالأحكام الشرعية التي تكون في صالحها، القرآن الكريم صنَّف حالات النشوز ولم يتحيز للزوج من دون الزوجة، إنما ذكر حالات للنشوز ومنها ما يقع على الزوجة فقال تعالى (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً)، والحالة الثانية للزوج (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا) والثالثة نشوز الزوجين معًا (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها)، وجميع الآيات الثلاث ضمن محتوها كلمة (الخوف)، والخوف يعني الانعكاس النفسي الطبيعي للانفعال الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمحافظة على البقاء،

 فلا بد أن يكون هناك عدل وشفافية في طرح القضايا الزوجية، كما أن رفع مستوى الوعي والثقافة الدينية لا تخص الرجل من دون المرأة، فكلاهما بحاجة إلى التنوير والتعريف بحقوقهما في نطاق من المساواة، كما كفلتها لهما «الشريعة الاسلامية»، ولنعد ونتوقف معًا لنعرف بداية ما معنى النشوز في القرآن الكريم؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية إن الزوجة تنشز عن زوجها فتنفر عنه بحيث لا تطيعه إذا دعاها للفراش، أو تخرج من منزله بغير إذنه، ونحو ذلك مما فيه امتناع عما يجب عليها من طاعته، وهناك منْ فسر النشوز بأنه إعلان الزوجة عن عدم رغبتها في البقاء مع زوجها لسبب غير مقبول، وهناك من قال إنه مجرد تطاول المرأة على الزوج أو على أهله، والبعض توسّع وجعله يشمل عدم طاعة الزوج في كل شيء، وهذا التوسع أعطى للبعض الحق المطلق لضرب الزوجة من دون قيد، ونتيجة لذلك أسرفوا في الضرب وآذوا النساء وأضروهن ولم يراعوا حرمات الله، وقد قال رسول الله: «لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم »، والإسلام حين وضع نظامًا للنشوز فقد سبقه بأنظمة كثيرة ضمانًا لعدم حدوثه، ومنها دعمه لحسن الخلق والمعاشرة بالمعروف والرفق في التعامل مع الزوجة، وخير الناس منْ كان خيرًا لزوجته، كما كان عليه أفضل الصلاة والسلام، لكن تُرى كيف يتعامل الزوج مع آية النشوز؟ يقول البعض إذا كان النشوز من جانب الزوج فلتستجمع المرأة كل حيلتها وذكائها وتتلطف مع زوجها الناشز، ولتدرس أسباب نفوره في تلطف وكياسة، ولتعالج كل سبب بما يصلحه، ولا بأس حتى أن تقبل ما يكلفها ذلك من ألم نفسي أو جهد مالي أو نحوه بسماحة نفس وطيب خاطر، وعليها أن تسترضيه ببعض المال، وأن تتنازل مقابل حياتهما معًا، فهذه الفئة ترى أن نشوز الزوج سببه الزوجة فلولاها لما نشز، فالرجل الناشز يكون في كربة نتيجة جهل زوجته أو لبذاءة لسانها أو بسبب دمامتها أو لأي سبب آخر، وأن الله قد جعل له مخرجًا من وضعه بأن تتنازل عن حقوقها مقابل صبره عليها أو مقابل عدم تطليقها إذا كبرت وضعفت وذهب شبابها، وقد ميّز بعضهم بين نشوز المرأة ونشوز الرجل، فقالوا على سبيل المثال إن المرأة ناشز إذا غادرت بيتها لزيارة أهلها أو جارتها من دون إذن زوجها، أما إذا سافر الزوج وغاب فترة طويلة من دون علمها ومن دون أن يسأل عنها فلا يعد ذلك نشوزًا، وإذا امتنعت الزوجة عن الفراش اعتبرت ناشزة، أما الرجل إذا هجر الفراش وامتنع عن معاشرة زوجته فلا يعد ذلك نشوزًا، فهؤلاء اعتبروا أن كل حق يخص المرأة هو منطقة محظورة، أما حق الرجل فهو ليس له حدود، فكيف لنا أن نتخيل حبًّا مصحوبًا بالعنف والقسوة والإيذاء البدني أو النفسي ولا يمكن أن يصدق عاقل هذا التصرف، لأن أساس الحياة وعمادها في الرحمة والحنان والحب وكل المشاعر الطاهرة التي تخفف الآلام وتشفي الجروح وتبدد الخوف، إن المرأة التي تتعرض للعنف تُصاب بحالة فقدان الثقة، وبالتالي تفقد قدرتها على العطاء وتغيب سعادتها في غمار إحساسها بالانكسار النفسي والمهانة والعجز،‏ وتصل إلى مرحلة تصبح بعدها عاجزة عن ممارسة حياتها الطبيعية، وما الزواج إلا علاقة قائمة على حُسن العشرة والمودة والألفة والرحمة والاحترام الكامل والامتناع المطلق عن كل إيذاء جسدي أو معنوي.. ولا بد أن يعرف الزوج أن لزوجته كرامة كما لديه كرامة، وهذه الكرامة لا يصنعها إلا الاحترام.

 

أنين الحياة

نحن في بلد يطبق فيها حكم الشرع، والخلل يأتي في الممارسات الخاطئة من البعض، وهناك حاجة ملحة للعودة للأحكام الصريحة في الكتاب والسُّنة عن حقوق وواجبات الزوج والزوجة وفهمها وتطبيقها، كما أمر الله سبحانه وتعالى، لا أن تُطوع الأحكام حسب ما يتوافق مع مصالح الرجل.