mena-gmtdmp

وماذا بعد؟!

أميمة عبد العزيز زاهد

لن أستطيع أن أغفل أو أتجاهل أي جانب من الجوانب الحيوية، وما تعانيه المرأة من الضغوط النفسية والاجتماعية والمادية والعاطفية بعد الطلاق، نتيجة لعوامل مترابطة ومتداخلة، منها ما هو داخلي، ومنها ما هو خارجي، وأنا أقول إنها في الغالب تكون هي الضحية، وإذا كان هناك أبناء يكونون ضحايا لهذه الضحية.

والحقيقة تحمل بين جنباتها الكثير من التغيرات السلبية لحياة ما بعد الطلاق، فقد تكون الحياة في النادر أفضل مما كانت، أما في الغالب فهي أسوأ من كل التوقعات، خاصة بعد أن تواجه المطلقة حياة جديدة عليها، حياة مختلفة بكل المقاييس، حياة تتحمل فيها المسؤولية وحدها، وتكتشف أن هناك وجهًا آخر بعد الطلاق، وتبدأ تباعًا سلسلة التحولات في حياتها،

فهناك مفاهيم خاطئة تعشش في مجتمعنا لابد أن تصحح، وأوضاع اجتماعية لابد أن ينظر إليها بعين الواقع، ففي أغلب المواقف تقف المطلقة عاجزة عن ممارسة حياتها بصورة طبيعية، فالعقبات تقف حجر عثرة أمام ما تصبو إليه، هذا عدا عن التجاوزات التي لا يمكن أن تتخطاها وعينات غريبة من البشر، إلى جانب العادات والتقاليد، ولا أقول الدين، لأن الإسلام منحها حقوقها كاملة وأنصفها وكرمها.

وهناك العديد من التساؤلات التي تواجه المطلقة.. فماذا تفعل عندما تسلب حقوقها وتهدر كرامتها من قبل زوجها؟ وعندما يمارس عليها العنف الجسدي والمعنوي؟ وكيف تسترد إنسانيتها؟ ولو رفض الزوج الحياة معها، وكرهت هي الحياة معه، وفي نفس الوقت امتنع عن طلاقها، فما هو مصيرها؟ وكيف تتصرف وتتعامل في أمورها الشخصية والعملية، وهي معلقة بين السماء والأرض؟ ولو تعمقنا أكثر، وتحدثنا في مشكلة الطلاق بحد ذاتها، وما تواجهه في حال رغبتها بالحصول عليه، وما يتبعها من حضانة الأطفال، واستحقاق النفقة وغيرهما، وفي حال عدم حصولها على أي التزامات اجتماعية أو مادية أو معنوية، ويكون الأب مجرد اسم على الورق، فكل القرارات المصيرية في يد أب لا يعلم عن أمرهم شيئًا، وقد تتعطل مصالحهم، وتدمر نفسيتهم بسبب عناده أو هروبه من تحمل المسؤولية، ولو انضم الأبناء إلى أبيهم بقوة القهر والسلطة فهي تحرم منهم، وقد لا تراهم إلا عن طريق القضاء، وقد يمارس الأب في هذه الحالة أبشع الطرق اللاإنسانية في رؤية الأم لأبنائها، طرق تدمى لها القلوب وتتقاذفهم الأمواج من مكان لآخر، وكل ذلك من أجل الانتقام منها.

فالمعاناة بالنسبة للمطلقة لا تنتهي بحصولها على الطلاق، لكن مأساتها تطول وتعيش على الذكريات، وتقضي أصعب مراحل حياتها نتيجة لتعدد أدوارها وكثرة مسؤولياتها بشكل قد يفوق أحيانًا قدراتها أو يتعدى إمكانات الظروف المحيطة بها، فمطلوب منها أن تصبح أمًا وأبًا، وأن تتحمل مسؤولية كل الأمور من أصغرها إلى أكبرها، وإلى جانب كل ذلك عليها أن تقدم كشف حساب عن أسباب طلاقها، وأن تكتب لكل من حولها تقريرًا يوميًّا عن تحركاتها وسكناتها، وحتى أنفاسها.

 

أنين زوجة

لا تتركي أطفالك.. ولا تطلبي الطلاق حتى لو داسك زوجك.. حتى لو تركك من دون أن يتحمل مسؤوليتك ومسؤوليتهم.. تمسكي بأهدابه حتى لو أهمل التزاماته وواجباته، ومارس «رجولته» بكل جبروت وتسلط.. لا يراودك مجرد طيف بأن تطلبي منه أن يتركك ويتولى هو تحمل مسؤوليتهم، لأنه سيتعمد أن يوسع من دائرة انتقامه، وسيفوز بكل الأصوات، ويمارس كل سبل التعذيب النفسي والمعنوي والمادي، ليبث الرعب والهلع في قلبك.. ولحظتها سيكون انتقامه أفظع مما تتخيلين، ولن يسمح لمشاعرك وأمومتك أن تنمو، ولن تكوني يومًا أمًا طبيعية تمارس أمومتها، ولا تستمعي له عندما يخبرك بأنه سيتولى الإنفاق عليهم، ويتحمل مسؤوليتهم ورعايتهم، فكيف يفعل ذلك، وهو لم يتحملها وهم معه؟!