حكايات كثيرة تموت أحداثها قبل أن يعيش أبطالها فيها، رغم أنهم هم من اختاروها، وهناك حكايات فشلت؛ لأن الله اختار لها نهاية أخرى غير التي تمناها أصحابها، وفي حين يعتقد كل منا أنه ملك الدنيا ومن فيها ومن عليها، يكتشف في ثوانٍ مدى غفلته بالمكتوب وجهله بالمستقبل، وحكايتي معك إحدى هذه الحكايات التي وئدت قبل أن ترى النور، فبعد أن سجنت قلبي لسنوات داخل قفص، وروضته على قبول واقعه، أقبلت أنت بقوة مشاعرك وحنانك، وحطمت القفص، وأخرجت قلبي وجعلته ليعيش في برج عاجي، يهيم فرحًا بحبك، ويسرح في عالم آخر، فأحببتك حبًا يفوق أي اختلاف بيننا، ويغفر لك أي تجاوزات، فاقتحامك لعالمي غير نظرتي لواقعي ولكياني ونفسي.
فجأة مرت عليك ظروف، وأخفيت عني معاناتك، وبدأت تختلق الأعذار، وبدأ إهمالك يطارد علاقتنا، وزرع الجفاء بيننا حتى أفقدتني الثقة بقلبي وعقلي، وقتلت أمنياتي بسبب أنانيتك، تركتني وحيدة أتجرع خيبة أملي فيك، حتى أوصلتني لمرحلة بدأت أشعر فيها بأنك تستخدم أساليب غير مباشرة لتجعلني أبتعد عنك من تلقاء نفسي، فإذا كان هذا هدفك فأحب أن أطمئنك بأنك نجحت وبجدارة بجرحي بآلام لن تندمل، ونجحت بعد أن شرخت كل المعاني الصادقة التي عشتها معك، نجحت بعد أن دمرت حتى لحظاتي التي كنت أعيشها من دونك، فلم أعد كما كنت قبل أن أعرفك، مشكلتك الوحيدة أنك لم تفهمني إلا بأسلوبك وطريقتك، واعتقدت أني إنسانة امتلك صفات الملائكة، وأتحمل فوق احتمال البشر، وتناسيت أني أحتاج للكثير والكثير، هل نسيت عندما كنت أخبرك بأنك لو أردت الابتعاد عني لأي سبب من الأسباب الإرادية وغير الإرادية ألا تتركني لهواجسي وضعفي وحزني، وأن أكون أول من يعلم بقرارك مهما كان قاسيًا، أتذكر ماذا كنت تفعل؟ كنت لا تدعني أكمل حديثي، وترد عليَّ وملامحك يكسوها الألم، ونبرات صوتك تقطر حبًا وحنانًا بأنك وجدت في شخصي ما كنت تبحث عنه طوال حياتك، ومستحيل أن تتركني إلا بموتك، وها أنت الآن بكل قسوة لم تكلف نفسك حتى مشقة السؤال عني، وكم كنت أعاني حتى أعرف كيف أتصل بك، وكان همي الاطمئنان عليك، حاولت أن أعذرك وأقدر ظروفك الصعبة التي تحياها وأنا مرغمة، ويلفني الغموض بسبب عدم اقتناعي بمبرراتك، حتى جاءتني الفرصة من حيثُ لا أدري، وبالصدفة رأيت بعيني أنك تعيش حياتك في سعادة ونعيم، وكنت تصورها لي بالجحيم والشقاء، ورأيت السكون والهدوء الممتع مكان القلق الذي رسمته لي، يا لقلبك كيف هان عليك أن تفعل بي كل ذلك، أين وعودك وعهودك؟ أين خوفك وحبك؟ أين وأنت كنت تتنفس هوائي في كل دقيقة وثانية، لا يمكن لقلبي أن يصدق أن من كان يمتلك في حبه مثل مشاعرك وأحاسيسك وعواطفك وتصرفاتك ولهفتك واندفاعك وشوقك أن يتبدل ويتغير بمنتهى السهولة، ومن دون بذل أي جهد يذكر، وكأنني كنت في حياتك مجرد حب عابر منحتني خلاله أحاسيس زائفة.
صدقني أنا التي لا أريد مواصلة مشواري مع إنسان خدعني بمشاعر كاذبة، وأوهمني بحياة هانئة، شعارها الأمن والاستقرار، لا تستغرب كيف جاءتني كل هذه القسوة باتخاذ قرار ببتر أحاسيسي من قلبي، وأنت تعلم كم أنا أحبك، ورغم عمق الألم وشدة الحزن إلا أنني سأقتلع جذورك من أعماقي حتى لو أدمتني؛ لأن الفراق النفسي إذا تعمق يصعب علاجه، وإذا تخلل البرود في مشاعرنا من الصعب أن نشعر بالدفء، وإذا تسلل الإهمال ستتلامس الأيادي ولا نشعر بها، وتتلاقى العيون ولا ترى، وتدق القلوب ولا تنبض، فالحب مواقف تترجم من خلال المشاعر، إنها المسؤولية والالتزام، ولن أسمح لمشاعري بأن تستمر فريسة لأنانيتك حتى لا تسلبني أغلى أيام حياتي، لقد مزقت آخر صفحة في علاقتي بالسعادة، ولا تظن أنني لن أشفى من حبك في يوم ما؛ لأن الحب يقتل أعماقنا في لحظة خاطفة من معرفتنا بقسوة من أحببناه، وفي النهاية تقبَّل كل الحب ممن أصبحت في ذاكرتها بقايا إنسان.
همس الأزاهير
صد الهوى ففتحتُ مشكاتي، وفتحت أخرى للهوى الآتي
وهتفتُ هل من عودةٍ، فأنا ما زلتُ أرجو غفرَ زلاتي!
فقسا بألفاظٍ مؤنبةٍ ألغت مهاتفتي وآهاتي
أكذا يموت العشق قال نعم عقلي ليلهب خفق لوعاتي!
لا تحسبن الحب من عجلٍ يبقى كحب صادق الذات
منصور مذكور