mena-gmtdmp

التعلم بالممارسة

أميمة عبد العزيز زاهد

كل أم عندما يأتي طفلها بأي تصرف جديد، سواء كان عملاً سابقًا لسنه أو كلمات جديدة أو مجهودًا غير متوقع، تكون سعيدة ويصبح هدفها أن تشجعه نتيجة سلوكه أو موقفه أو مهارته التي قام بها، ولا تعلم أنها في بعض الأحيان قد تكون السبب المباشر في إعاقة تقدمه، لو لم تميز بين الثناء عليه ودعمه ودفعه إلى الأمام، ولم تفرق بين الإعجاب بالعمل وعبارات التشجيع والمساعدة على إنجاز ما قام به، فلو شجعت طفلها على أي عمل، بصرف النظر عن نوعيته أو أهميته، فسيفقد بعد ذلك الإطراء قيمته، فمكافأة الطفل باستمرار وإظهاره بأنه أنجز عملاً رائعًا بصرف النظر عن قيمته سيفُقد الطفل المعنى الحقيقي للدعم طالما أنه سيحصل على مكافأة في أي إنجاز سيقوم به، وبالتالي ستحتار بعدها لو أنجز يومًا ما عملاً رائعًا يستحق فعلاً عليه مكافأة، فلا تعرف لحظتها ماذا ستقدم له وهل سيقتنع بما سيناله؟ وكلما كبر سيعيش حالات من القلق والتوتر نتيجة اعتياده على التدعيم المادي والمعنوي، وعندما لا يجد ذلك في المجتمع المدرسي

أو لدى أصدقائه فسيشعر بالإحباط والفشل، ويبدأ تدريجيًّا بالتهاون واللامبالاة، ونكون بذلك قد ساعدنا على قتل قدراته بدلاً من تنميتها وسيفقد ثقته بنفسه.

والطبيعي أن تدع الأم طفلها يمارس هوايته أو ما يرغب بعمله على أن يكمله وينجزه، وأن يشعر بالسعادة لأنه قام به واستفاد منه، وليس من أجل أن ينتظر الثواب فقط، ويعتقد بذلك أن أي عمل يقوم به لا بد أن يكون من ورائه هدف واحد وهو المكافأة، لكن عليها أن تهتم بتطوير مهارته وتنميتها أو توجيهها الوجهة السليمة، وأن تُعدّل أخطاءه، وأن تكافئه بين لحظة وأخرى حسب المتاح والمستطاع، ولا تبالغ في ذلك حتى لا ينشأ ضعيف الشخصية، ويفقد قدراته على النجاح في حياته العلمية والعملية، وحتى لا يتعود ويصبح ينظر إلى كل عمل يعمله مقابل مكافأة، وعليه أن يتعود ويتعلم أنه سيتحمل نتيجة تصرفاته التي قام بها بإرادته، كما يجب إعطاؤه الفرصة للإصلاح أو القيام بعمل أفضل في المرة القادمة، وبذلك تمنحه القدرة على اكتساب مهارة هو يحتاجها مما يساعده مستقبلاً على مواجهة تحديات الحياة، وقد أثبت علم النفس أن من أهم أسباب فشل الفرد لا نقص فرص التعلم الكافية منذ صغره، بجانب تمتعه بالحماية الزائدة من أم قلقة عليه لم توفر له فرص الاعتماد على النفس واكتساب المهارات، مما يؤدي إلى شعوره بالنقص الذي بدوره يشعره بالتعاسة وعدم تقبل الآخرين له،

ولكي نسعى لتكوين شخصية متزنة للطفل لا بد من استخدام الثواب والعقاب مع عدم إغفال الحوار، فلا نطلب من الطفل الانصياع الكامل لأوامرنا من دون وعي وفهم، فالحوار يكسبه الشعور باحترام إنسانيته وطفولته، وبالتالي يولد الطمأنينة والثقة بالنفس، وأكبر خطأ تقع فيه بعض الأمهات والقائمين على التربية والتعليم هو التعامل مع جميع الأطفال بنفس الأسلوب والطريقة، من دون مراعاة الفروق الفردية واختلاف الإدراك والوعي والاستجابة من طفل لآخر، كما أن هناك من تطلب الكمال من ابنها وتجبره على الحصول على التفوق والامتياز في كل شيء وتحمله فوق طاقاته، ولا تهتم بحاجته الخاصة ولا تسمح له بأي خطأ، ولو أخطأ تعاقبه، مما ينتج عنه طفل مطيع حقًا، لكنه ينمو وبداخله الشعور بالعجز وعدم الثقة في النفس، لأن الطفل لن يتعلم إذا كان خائفًا من العقاب، أو كُلِف بعمل هو غير قادر على التفكير فيه، مما يؤدي إلى قصور في النمو الطبيعي، فلا بد أن يكون التعلم بالممارسة عن طريق تصحيح الخطأ، حتى لا يكون التفكير محصورًا في التفنن بأساليب العقاب؛ كالتوبيخ والتقريع والتأنيب والتحقير والإهانة والتجريح أو الضرب، لأنه لن يثمر إلا طفلاً خائفًا غير واثق من نفسه، مشتتًا غير متحمل للمسؤولية، ولا بد أن تعي الأم أن المرور بالخطأ هو الخطوة الأولى لتفاديه، وكما قيل «تجربة آلمتني... تجربة علمتني».