mena-gmtdmp

سيطرة الآباء

أميمة عبد العزيز زاهد


عادة ما تبدأ المشاكل الفعلية مع الأبناء في سن المراهقة عندما يشعرون بأن الآباء أصبح دورهم يقتصر فقط على توجيه الانتقادات اللاذعة والخطابات الرنانة، فيبدأ المراهق بالشكوى بأن لا أحد يسمعه أو يفهمه، وكل ما يقوله مرفوض ولن يقبل به، وقد يلجأ في الغالب إلى الهروب من واقعه ليعيش في عزلة نفسية ومعنوية، مما يزيد العلاقة سوءًا، لأن أهله يحدون من استقلاليته وحريته بأي ثمن.

وتتضاعف وتتسع الهوة بين الآباء والأبناء في هذه المرحلة الحرجة لو كان التقصير منذ البداية، ولم يتعود الآباء إلا على إلقاء الأوامر، من دون ترك أي مساحة للحوار أو المناقشة، وفي الواقع أن الأبناء أصبحوا لا يتقبلون الأوامر ويتمردون وينفرون منها، لأن ذلك من وجهة نظرهم فيه مصادرة لحريتهم الشخصية، كما أنهم لن يتقبلوا العبارة التي يتغنى بها الآباء دومًا من خلال عقد مقارنة بين جيل الأمس واليوم، فالمقارنة مرفوضة، لأن الوضع قد تغير، والعصر الذي يعيشون فيه غير عصر آبائهم، وما علينا سوى تدارك الوضع لسد الفجوة، والبداية لا بد أن تكون من الآباء أنفسهم بأن يتفهموا الأسلوب التربوي الصحيح، ويتدربوا على المرونة فلا ضرر أو ضرار، لا نسخة مكررة، ولا تحقيق أمانٍ عجزوا هم عن تحقيقها، وتكون غير ملائمة لهم، وألا يرفضوا كل ما هو جديد لمجرد الرفض فقط، عليهم مساعدة أبنائهم، وأن يدعوهم ليختاروا ما فيه مصلحتهم وسعادتهم من وجهة نظرهم ما دامت لا تحلَّل حرامًا‏ ولا تحرم حلالاً، ‏وليتركوا لهم حق الاختيار لأنفسهم‏،‏ وألا يتأخروا عنهم بالنصيحة، وأن يشرفوا عليهم ويقدموا لهم العون بحكمة، ويفيدوهم بخبرتهم في تجنب ما قد يواجههم من مصاعب، وإيضاح حقائق الأمور التي تسبقهم فيها رغباتهم الجامحة‏،‏ واندفاعهم لما يتصورون فيه سعادتهم.

ولا أدري لماذا يظن بعض الآباء أن من علامات البر بهم أن يقوموا بإلغاء شخصية أبنائهم فيسيطروا عليهم سيطرة تامة، فهم لا يريدون منهم أن يخطوا خطوة في أي اتجاه إلا بإذنهم ورضاهم، ويتخذون القرارات المصيرية بدلاً عنهم، رغم أنهم قد وصلوا الى مرحلة أصبحوا قادرين فيها على إدارة حياتهم‏،‏ ونحن بقدر تحملنا لمسؤولية أبنائنا‏ ووقوفنا إلى جوارهم في قراراتهم المصيرية، بقدر ما يحترموننا وتصفو مشاعرهم وقلوبهم تجاهنا، ويتعمق ولاؤهم لنا‏.‏

وفي الحقيقة ليس هناك من هم أحرص على مصالح الأبناء من الآباء، لهذا فإن مشورتهم لها الأولوية القصوى‏،‏ لكن بشرط أن تكون النصيحة متجردة من التحكم، ومن الطاعة الصارمة لمجرد فرض الرأي والتمسك بالرضا والغضب لوضعهم أمام الأمر الواقع.

أما امتلاك الأبناء بالتسلط وقهر إرادتهم وفرض رغباتنا وأفكارنا عليهم من دون تبصر أو مراعاة لرغباتهم وإرادتهم واستقلاليتهم‏،‏ سنكون بذلك قد حققنا نجاحًا مزيفًا ومؤقتًا‏، لا يلبث أن تتضح آثاره في فشل العلاقة السوية العميقة،‏ ولا يلبث أن يتولد عن ذلك الفشل بركان من التمرد والنفور تجاه الآباء المسيطرين، وبمجرد أن يملك الأبناء القدرة على الانفصال والاستغناء عن آبائهم في متطلباتهم والاعتماد على أنفسهم، لحظتها قد تخرج الأمور من بين أيديهم.

فلو اختلفت وجهات النظر في أمر ما ليس على الآباء أن يلغوا حق أبنائهم في أن يختاروا لحياتهم، حتى ولو لم يقتنعوا هم بهذا الاختيار، على أن يوضحوا لهم أهمية رأي الأهل من الحكمة والحرص على سعادتهم حتى ولو لم يصادف رأيهم هوى في نفوسهم‏،‏ ومن واجب كل طرف أن يبذل غاية جهده ليقنع الطرف الآخر‏‏ بوجهة نظره، فإذا استمسك الأبناء باختياراتهم، فعلى الآباء في النهاية أن يسلموا لهم بما أرادوا، ويدعوا الله سبحانه وتعالى أن يحقق لهم السعادة والأمان في حياتهم‏.‏

 

أنين أم

ماذا لو لم تقتنع ابنتي بأسبابي المنطقية لرفضي اختيارها، هل يمكنني إرغامها وأصر على رأيي، لكني أخشى أن تخرج عن إرادتي، فهي مؤمنة بقرارها ومتمسكة به يا ليتها تعرف مدى خوفي عليها وماذا تعني مشاعري تجاهها، فقد أغضب منها، لكن لا أتحمل أن أؤذي مشاعرها، أو أن أسمح لأي كائن كان أن يخدش أحاسيسها، فمهما فعلت أو تصرفت أو أخطأت فهي ابنتي وقرة عيني ونور فؤادي، ولا أريد سوى مساعدتها لاجتياز أخطر مرحلة في حياتها بسلام وثقة، فأنا لا هدف لي أولاً وأخيرًا سوى سعادتها.