mena-gmtdmp

المسؤولية الأخلاقية

أميمة عبد العزيز زاهد


بقدر ما تضحك الدنيا لنا بقدر ما تضحك علينا أضعافًا مضاعفة، فلو نظرنا إلى معظم مشاكلنا، وأزماتنا لوجدنا أن السبب الأساسي لتفاقمها هو تجاهلنا لها، وغضّ البصر عنها وهي في المهد والمرور عليها مرور الكرام، وكأننا ننتظر أن تحل نفسها بنفسها، وأمام الصمت والتجاهل تصاب حياتنا بالصدع والتوتر والقلق، وبعد وقت طال أم قصر نبدأ بالبحث عن حلول، وفي الغالب يكون الوقت قد تأخر وتراجعت معه علاقاتنا، ولننظر ما الذي يحدث لنا ولمن حولنا، وماذا جرى لثقافة حوارنا، ومناقشتنا، وسلوكياتنا، وأفعالنا، فهناك من يتكلم عن الفضيلة وهم أبعد ما يكونون عنها، ومنهم من يتكلم عن الإخلاص والأمانة والشرف والحق وهم من أوائل قوائم الخائنين، هناك من يطالبنا باحترام العقل والعلم ونجده يتعامل بمنتهى الجنون والغباء والجهل، وهناك من يندد بالأنانية وهو يعشق ذاته، تسبقه رغبته في الاستحواذ وامتلاك كل ما في يد الآخرين، هناك من تراه وهو يستنكر الظن السيئ والشك وعقله يشك في أقرب الناس إليه، والبعض ممن نتوهم بأنه يحترم ويقدر الآخرين أو يتصنَّع ذلك نجده في منزله لا يحترم حرية وخصوصية شريك حياته، ولا يعرف معنى للاحترام مع أبنائه، هناك أغلبية تطالب بحقوقها وتحارب لتأخذها، ولا تعرف ما واجباتها ولا مسؤولياتها ولا تريد أن تعرفها، هناك من يخطب بكلمات رنانة عن أهمية التراجع عن الخطأ والاعتراف به وحل الأمور ببساطة وتجده فيما يخصه أكبر معاند واستفزازي في جداله، وهناك من ينادي بالتسامح والعفو والصفح وقلبه مليء بالحقد والحسد والغيرة، ومنهم من يتغنى بالقناعة وبأنها كنز لا يفنى وهم من الذين يكنزون الذهب والفضة، ومعظمنا نردد بأننا متوكلون على الله حق توكله، لكننا دائمًا قلقون خائفون متوترون، ولو كنا واثقين من رحمته تمام الثقة لما يئسنا من الفرج ولما خفنا من المستقبل.

 إنه الزمن الجديد مع الأسف، زمن تعيش فيه بعض النفوس بالحقد والحسد والكراهية والبغض والكذب، زمن أصبح للشر روافد تغذيه النيران ليحرق البسطاء فيعشش في العقول الخاوية التي تختار أقصر الطرق إلى بحور الوهم لتغرق فيها، زمن ضياع الحق الذي نتجرع فيه الأسى ونجلس نتفرج ونصاب جميعًا بالصمت، إنها مسميات كثيرة ومشكلات لا تنتهي من عنف، وقتل، وتعاطي مخدرات، وفقر، وبطالة، وتسول، وطلاق، وعنوسة، وانحرافات، وسرقات، ورشوة، وغش، وكذب، وخداع، وخيانة، وانتحار، وخطف، واعتداءات، وتزوير وتزييف، ونميمة وغيبة، ونفاق، رأيناها وسمعناها في مواقع كثيرة وفي أزمان مختلفة وبأسماء متغيرة جميعها مشتقة من الظلم.. الظلم الذي أفسد علينا حياتنا وجعلنا نتساءل ليل نهار عما أصابنا من هم وغم وقلة حيلة وقلة بركة، ما الذي حدث حتى اختلفت المفاهيم وأصبح الكائن أقرب إلى تمثال حديدي فلا يحس أو يشعر أو يتألم أو ينفعل؟ تتملكه الأنانية والقسوة، لا يفكر إلا في نفسه، ترى ما سر تجمد مشاعرنا والتبلد الذي أصابنا، بعد أن أصبحنا نرى ونسمع مشاكل غيرنا من دون أن تهتز مشاعرنا، ومن دون أن تتأثر جوارحنا وكأن كلاً منا يعيش في وادٍ منعزل لا علاقة له إلا بنفسه وهمومه ومتطلباته، حتى بدأت الأخبار السعيدة تنقرض، والصداقة أصبحت من الذكريات، والمنافسة الشريفة صارت حربًا غير متكافئة، وضاعت القيم الجميلة التي كانت تصنع السعادة، وأصبح الحب كلمة لا معنى لها، ولم نعد نسمعها، ولم يعد يعرف الإنسان منا كيف يحب نفسه، وبالتالي لن يعرف كيف يحب غيره، أصبحنا أناسًا ضاقت بهم الدنيا بما رحبت، تُرى إلى متى نستمر في غفلتنا؟ وهل يمكن لنا أن نعيد للحياة توازنها مرة أخرى؟ ليس أمامنا وسيلة للهروب من واقعنا المرّ والتعس الذي نعيشه سوى بالتسلح بالصبر والدعاء لرب العباد بأن يصلح الحال.