تنظر المرأة دائمًا للرجل القوي، وليس المقصود بالقوة ضخامة الجسد وقوة العضلات، على أنها تبحث في أعماقها عن الأمان، تبحث عن إنسان تمنحه الدفء والحنان، مقابل حصولها على الحماية وإحساسها بالسكينة؛ لتحصد في النهاية معادلة الأسرة السعيدة.
فما بالكم ببعض الحالات لزوجات عرفتهن… ورأيتهن… وسمعتهن… وحادثتهن، وتألمت لما وصلت إليه حالتهن، بدءًا من الرضا بالضرب والشتم والإهانة والانكسار والذل، ومرورًا بعدم الإنفاق وعدم تحمل المسؤولية، بجانب الاتكالية وازدواج الشخصية، أو انفصامها من قبل الزوج.
ترى لماذا يحدث كل ذلك؟ ولماذا وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ خاصة أن هذه الحالات في الغالب تتفق في طول العشرة الزوجية، واستغربت لماذا بعد مرور كل تلك السنوات؟! وجاءني تفسير من إحدى الزوجات من خلال دموعها، وهي تقول: لا تستغربي استمراري في هذه الطاحونة، فعندما بدأت حياتي واكتشفت منذ البداية عيوب زوجي، من ضرب وإهانة وذل، حاولت احتواءه وتهدئته والتفاهم معه، ومارست كل الطرق لمحاولة إصلاحه، وعندما باءت جميع محاولاتي بالفشل حاولت التمرد على حياتي معه وطلب الطلاق، فأجبرني أهلي على الصمود والتحمل، وتمر الأيام وتجرها الأعوام، أنجبت خلالها أبنائي الثلاثة، وكان حاله يزداد شراسة، فإذا لم تعجبني الحياة معه بنفس الأسلوب فعليَّ بالاختيار بين حريتي أو التنازل عن أبنائي، فأضطر إلى الاستسلام الكامل، والتهاون في إنسانيتي وكامل حقوقي، حتى أصبت بالتبلد الحسي والعاطفي والاجتماعي… نعم… خسرت الكثير والكثير، وضاع عمري معه، وفي المقابل سأكسب أبنائي وأنا معهم وبينهم ولهم، سأكون العين الناظرة، والقلب العطوف، فكيف أتركهم لأب لا يرحم؟ وعليَّ أن
أرضى بواقعي؛ فليس لي الخيار… أعود وأقول: إن مثل هذه الأم لا تشعر إلا بغريزتها الجياشة، وأمومتها الفياضة، والأكثر إيلامًا في الأمر رفض الأبناء لهذا الواقع المرير والوضع المشين، خاصة عندما يسمع الابن ويرى أمام عينيه أن أباه يضرب أمه وتسامحه… يذلها وتعزه… يحتقرها وترفعه… يطردها؛ لتعود مرة تلو الأخرى منكسرة ومهانة، وهو يعرف في قرارة نفسه وبطفولته البريئة أن كل ذلك الصبر من أجله، فهو نقطة ضعفها، وموطن قوتها في الوقت نفسه… وإنني لأتساءل: ترى أي مرحلة أنسب لحدوث الطلاق بالنسبة للزوجة أو الأبناء؟! ففي السنوات العشر الأولى تكون الحياة في بدايتها متقلبة؛ بحلوها ومرّها، وتأتي العشرة الثانية، ويكون الأبناء في طور المراهقة، وهم في أمس الحاجة للرعاية والحنان والاهتمام الكامل من قبل الأب والأم معًا، وتمر هذه المرحلة بمرّها، وتأتي العشرة الثالثة؛ يكون فيها الأبناء إما في مرحلة الاستعداد للجامعة أو للزواج، وبالتالي لابد من وجود الطرفين معًا في هذه المرحلة الانتقالية الصعبة، وعندما تأتي العشرة الرابعة وتتخذ الزوجة قرارها النهائي بعد انتهاء دورها، وانتهاك قوتها، وضياع شبابها، يستغرب الكل ويستعجب، ويتذمر.