mena-gmtdmp

إنسانة مختلفة

أميمة عبد العزيز زاهد

السعادة حلم جميل، قضيت وقتًا طويلاً أبحث عنها، وأتعقب خطواتها، وأرصد ظلها المتسرب أمام عينيَّ، واكتشفت بعد طول عناء أن ما أبحث عنه جذوره تقبع بداخلي، وبدأت أراجع نفسي وألومها على تحملها سخافات أفسدت عليَّ وعليها رؤية نواحٍ رائعة في حياتي، واستعرضت مشاكلي حتى أتمكن من حلها، ووجدت أنَّ خير من ينتقد تصرفاتي ويقيّم أفعالي وأقوالي وأحكامي هي نفسي، وفرضت عليها أن نقوم أنا وهي بمهمة في نهاية كل يوم.. مهمة صعبة تكون حصيلتها تخفيف أعباء نفسيَّة لا طائل منها سوى الغمِّ والهمِّ، أمور مخبأة تشوش على حياتي، تزحف على تفكيري، وتتعب نفسيتي، وبدأت أدرّب ذاتي أن ترى الأمور بشكل مختلف، فلو اتخذت قرارًا بأنَّني لا أستطيع أن أنجز عملاً ما لأنَّه خارج عن قدراتي، فسيصعب عليَّ إنجازه؛ لأنَّني وضعته في حيز المستحيل، وحكمت عليه بالفشل.. وأنا لست بعاجزة حتى ألجأ إلى تبرير فشلي بإلقاء اللوم على حظي، أو على ظروفي، أو بسبب النماذج العجيبة التي أقابلها في حياتي، فأنا مؤمنة بأنَّ الأيام لا تعترف بالثبات المطلق في المواقف وردات الفعل ولا في التصرفات، فدوام الحال من المحال، وأصبحت أنظر للأمور بعقلانيَّة وأفسرها بمنطقي الجديد، وبالتدريج ألغيت كل ما يقلقني ويوترني ويتعبني ويزعجني من ذاكرتي.. فما يعنيني هو الحاضر، أما المستقبل فهو بيد خالقي، واتبعت سياسة الحركة والنشاط والهمة في أي أمر يشعرني بالسعادة والراحة.. وبدأت أتأمل الآفاق الجديدة داخل أعماقي، ولا أتردد بأن أسير في الاتجاه الذي يمنحني فرصة للرؤية بوضوح، فبحثت عن كل ما يمثل لي مصدرًا للرضا، والراحة التي أفتقدها، وبدأت أهتم بالتغيير في نظام حياتي، سواء أكان هذا التغير صغيرًا أم كبيرًا للوصول للأفضل والأجمل والأرقى، بدأتها من أصغر الأمور فغيّرت قصّة شعري، واستبدلت بألواني التي تعودت أن ألبسها، وغيّرت من نظام غرفتي، حتى نوعيَّة الكتب التي كنت أقرؤها، والبرامج التي كنت أشاهدها، والأماكن التي كنت أزورها، غيّرتها وبدأت أفكر ببساطة وهدوء في الأحداث اليوميَّة التي كانت تسبب لي الضغوط النفسيَّة والاجتماعيَّة؛ لأعالجها حتى أرتاح وأزيح عن كاهلي حملاً ثقيلاً.. فلم أجبر نفسي على فعل تصرفات تُفرض عليَّ بحكم العادات والتقاليد، أو حتى باسم الواجب، وأجبرت خجلي على الانطواء، وأصبحت كلمة «آسفة» من ضمن قاموسي الجديد في حال تطلب الأمر لزيارة لا أرغب بها، أو لتلبية دعوة ثقيلة على قلبي، أو لاستقبال مكالمة، أو لمقابلة أشخاص في وقت أنا غير مستعدة فيه، وتعلمت بذلك التوازن في حياتي، حيث لا يتعدى أي أمر على حساب مشاعري، واستطعت أن أوازن بين عملي ووقت فراغي، وبين لحظات راحتي وخلودي مع نفسي وبين علاقاتي الاجتماعيَّة، وشعرت أخيرًا بأنَّني أصبحت أكثر هدوءًا وإشراقًا وسعادة، بعدما قاومت مشاعر الإحباط، وعالجت ضغوطي، وتحولت إلى إنسانة مختلفة وجديدة، حتى على نفسي.