هناك استفسار يلحُّ عليَّ منذ آخر مرَّة سمعت فيها زوجين يتحدثان عن علاقتهما بحبٍّ وسعادة وبمنتهى الصدق والارتياح النفسي، فقررت أن أسأل بعض الأزواج عن أخبار علاقتهما الزوجيَّة وكيف تسير، لكن لم أجد إجابة واضحة، أو بمعنى أدق لم أجد إجابة صادقة، فمعظمها تنحصر في «الحمد الله ماشي الحال» أو «شر لا بد منه» أو «أهي حياة وتعدي»، أغلبها عبارات وسيل من الشكاوى والتعبيرات المريرة، كل ذلك بسبب الأمور التي يرصدها كل طرف للآخر تضاف إلى قائمة الخلافات المعتادة؛ بسبب إساءة فهم كل طرف للآخر، فلا مجال للمناقشة والتحليل والحوار، وهناك اختلاف شاسع بين الشريك المستمع بحبٍّ، وبين شريك غير مستمع، ففي الحياة الزوجيَّة توجد عشرات الأمور التافهة قد تكون سببًا في الخلافات، رغم أن التغاضي عنها أو معالجتها بشكل أكثر ذكاء يخفف من حدة توتر العلاقة، ولن يستغرق ذلك سوى دقائق، وبالتأكيد ليس ذلك بالأمر السهل دومًا، لكن علينا أن نفكر في أنَّ تلك الأمور مهما بلغت من سخافتها فإنَّها لا تعني شيئًا جوهريًا في العلاقة، وأنَّ درجة التسامح أو التجاوز عن التفاهات تشكل دعمًا بدلاً من استمرار العناد والتضخيم؛ الذي لا يؤدي إلا إلى تدمير العلاقة.
فبعض الأزواج ليست لديهم قدرة على السيطرة على انفعالاتهم أو التحكم في مشاعر الغضب، أو حتى مقاومة إحباطاتهم العامَّة في الحياة، ولم يستوعبوا أنَّ هناك فرقًا من أن تكون الزوجة هي الحضن الذي يحوي هذا التنفيس، وبين أن يجعلها أداة يستخدمها للتنفيس عن غضبه، وتتحول العادة إلى إدمان تكون نتيجتها فشلاً ونكدًا مستمرًا. وهناك بعض الأزواج من يعتقد أنَّ شريكه لديه القدرة على فهم وقراءة شخصيته وأفكاره طوال الوقت، وهذا أمر مستحيل، وقد يتخذ حيال ذلك موقف الصمت، أو الابتعاد، أو إشعار الطرف الآخر بالإهمال واللامبالاة من دون أن يفصح عن أسباب ذلك، لدرجة تجعل الطرف الآخر ينفجر من الغضب والغيظ، وبعدها يدّعي بكل ثقة أنَّه لا يفهم ما الذي حدث، وبعد فوات الأوان يبدأ بالمناقشة وتذكير شريكه بأحداث مر عليها أيام أو أسابيع، معتقدًا من وجهة نظره أنَّ الآخر يفهم سبب ضيقه، لكنَّه يتجاهله، وتحليل ما يحدث أنَّه هو الذي يركز في هذا الموقف، ويبني بداخله التصورات والخيالات ويختزنها من دون أن يفكر في أسلوب منطقي. وكان من الأجدر أن يخبره منذ البداية عما يضايقه، ولابد أن يبتعد الزوجان عن التركيز في العيوب التافهة، وأن يركز كل طرف على الإيجابيات، ويتعامل مع الآخر من خلال مميزاته وليس عيوبه. ومن الرائع أن يمتلك كل منهما القدرة بأن يرى أحلى ما يملكه، بدلاً من التركيز على ما ينقصه. والأجمل أن يمتلك الطرفان قدرة على التسامح والتجاوز في الأفعال لمن يحبهم ويريد أن يسعدهم ويواصل الحياة معهم.