السعادة ليست سلعة قابلة للبيع، فلا أحد يمكنه شراؤها حتى لو بمال قارون، وبالتأكيد هناك فئة قليلة جدًا عرفت قيمتها وذاقت طعمها، فئة تعيش في حالة صلح وسلام وأمن بينها وبين نفسها، تتمتع بانشراح الصدر وبالعفو والتسامح. وراحة الضمير نفوس تحيا برضا تام. فئة تعيش حولنا لديها قدرة خاصة وخارقة على تحمل الأزمات رغم أنَّها مرَّت بظروف قاسية وصعبه إلا أنَّ الابتسامة لا تفارق وجوهها، لقد بحثت في أعماق تلك الفئة وتساءلت بيني وبين نفسي: أين وكيف تجد السعادة التي لا تنقطع؟ وعرفت أنَّ من حقق لها السعادة الدائمة، والشعور بالأمن المستمر، والإحساس بالطمأنينة هو العيش مع من بيده السعادة الحقيقيَّة.
فطمأنت نفوسها، وهدأت أرواحها بالفرار إلى الله تعالى، والأنس بقربه، والرضا بقضائه، فالتعاسة الحقيقيَّة من وجهة نظرها تأتي من حماقة التمسك بالعيش للحظات جميلة مؤقتة وهي قد دربت نفسها على عدم الانغماس فيها. إنها فئة تمتلك القدرة على اكتشاف مناطق خاصة بداخل أعماقها تكون أكثر خصوصيَّة في حياتها، يسمعون فيها قلوبهم، وينصتون فيها لأفكارهم. أراهم سعداء رغم عدم وجود سبب منطقي -على الأقل بالنسبة لي- للابتسامة التي لا تبرح شفاههم، يقدمون التهاني لمن سبقهم رغم أنَّهم سبقوهم دون وجه حق، ويسامحون من ظلمهم، ويعذرون من آلمهم، ويفوضون أمرهم لله فيمن سرق أحلامهم وأمنياتهم، وعندما يهاجمهم الآخرون بغير تعقل أراهم يحافظون على هدوئهم، ولا يفقدون أعصابهم، فئة حررت نفسها من الالتزام بما يتوقعه الآخرون منها بقناعة ورضا، فئة يلمع الأمل في عيونهم ببريق ساحر، وحب الناس يملأ قلوبهم رغم الجراح، فئة تسودهم الطمأنينة عند خوف الجميع، ويشعرون بالأمن عند ذعر من حولهم، ينعمون براحة البال رغم أنَّ هناك من هدد استقرارهم وأتعب أعصابهم وضيع شبابهم، ورغم كل ذلك جوارحها تلهج بحمد الله على كل عطاياه التي لا يمنحها إلا الصابرين. لا تقولوا إنَّهم من المستضعفين في الأرض، لا إنَّها الثقة بالله عزَّ وجلَّ التي يستمد منها هؤلاء ثقتهم بأنفسهم، هذه الفئة أسعد بوجودهم في حياتي، فهم يمنحونني الأمل والتفاؤل، استمد منهم الصبر والقوة. إنَّهم بشر يمتلكون قوة الإيمان والرضا بالقضاء والقدر، منحهم الله القدرة على مجاهدة النفس والصبر، إنَّها طاقة إيمانيَّة لا يمتلكها إلا من فوض أمره، وتوكل على خالقه، وصبر صبرًا جميلاً، ووثق بالله فعلا ويقينًا وليس مجرد قول.
همس الأزاهير
قال حكيم: «عجبًا للبشر ينفقون صحتهم في جمع المال فإذا جمعوه أنفقوه في استعادة الصحة، يفكرون في المستقبل بقلق وينسون الحاضر فلا استمتعوا بالحاضر ولا عاشوا المستقبل، ينظرون إلى ما عند غيرهم ولا يلتفتون إلى ما عندهم، فلا هم حصلوا على ما عند غيرهم ولا استمتعوا بما عندهم، خُلقوا للعبادة وخُلقت لهم الدنيا ليستعينوا بها فانشغلوا بما خلق لهم عما خلقوا له».