الذي لم يتزوج يتمنى أن يأتي اليوم الذي تكون لديه أسرة ليعيش الاستقرار والأمان، والمتزوج يود لو عاد به الزمن إلى الوراء، عندها لفضل حريته وعاش راحة البال، ويبقى الصراع بين الحريَّة والقيد مع أنَّ العزوبيَّة لا تعني الحريَّة ولا الزواج يعني القيد، فالحريَّة في مفهومها الضيق تعني للإنسان السفر والخروج والدخول والنوم والعمل كيفما شاء، إلى جانب عدم تحمل المسؤوليَّة الأسريَّة. ولا القيود تعني التحكم في كل ما سبق.
إنَّ الحريَّة والقيد لفظان مترابطان، والحياة الزوجيَّة ليست أوامر ونواهي يكون مصدرها الزوج، ومحل تنفيذها الزوجة، بل هي تفاعل وتكامل بينهما في تحمل الأدوار والمسؤوليات، إنَّها فطرة الحياة، وأي إنسان طبيعي يحلم بالاستقرار في اليوم الذي يجمعه مع رفيق دربه، ويتمنى أن يعيش عمره كله في ودٍّ وعشرة وألفة وسكن، ورغم كل تلك الأماني والأحلام فإنَّ الزواج لا يخلو من المنغصات، وعند التطبيق يختلف الأمر كثيراً بسبب سلوك وطبيعة كل طرف، فالتعامل تحت سقف واحد ليس بالأمر السهل لاختلاف الفكر والطباع والعادات، وأهمها معرفة كل طرف بواجباته وحقوقه، ولا يمكن الاستمرار دون وجود تضحية ومساحة من الصفح والتسامح، ومع الأسف فإنَّ من أهم أسباب تدهور العلاقة بين الزوجين هو الهروب من تحمل المسؤوليَّة، فكل طرف يلقي أعباء مسؤوليات الحياة على الطرف الآخر، ولم تعد هناك مشاركة فعليَّة، ولم تعد هناك تضحية من أجل الآخر مع أنَّ السعادة الزوجيَّة مسؤوليَّة تقع على عاتق الزوجين معاً بكل محبَّة، والمحبَّة المقصودة تكمن في التوافق الروحي والإحساس العاطفي النبيل بين الزوجين، تتبعها روح التسامح الذي لا يتأتى إلا بتبادل الثقة والاحترام والتعاون والتقدير والتراحم، وبغير تلك الأسس تضعف قيم المحبَّة والتسامح. نعم أنا أرى من وجهة نظري أنَّ هناك خللاً قائماً في الارتباط الذي يمهد للزواج وفقاً للمفهوم الحضاري لمعنى الحريَّة، فالحريَّة في الإسلام تعني الوفاء بمسؤوليَّة العهد، ولا بد أنَّ يتحمل الزوج النصيب الأكبر؛ لأنَّ الرجال قوامون على النساء بالفعل، وليس في القول. ومع الأسف في كثير من الأحيان تساهم تربيتنا ومناهجنا ومجتمعنا في زيادة العبء، وتحمل المسؤوليات للمرأة، ولا توجه الرجل إلى معرفة أنَّ المسؤوليات تقابلها مسؤوليات من طرفه تجاه زوجته، وأنَّ كل طرف مسؤول عن توفير الأجواء الحاضنة والمريحة للآخر؛ لذا فإنَّ الجانب التربوي هو الأساس في تعميق مفهوم المسؤوليَّة، وعن طريقه يعد الفرد ليمارس باقي أدواره وعلى الآباء دور كبير في تدريب أبنائهم منذ الصغر على تحمل المسؤوليَّة وتعليمهم مفهوم الزواج والتعامل مع الآخرين فما يكتسبه الأزواج من خبرات وقدرات واطلاع مثمر ومستمر في جميع مناحي الحياة تتضح آثاره من مضمون التربية.