mena-gmtdmp

جولتي مع السعادة!

أميمة عبد العزيز زاهد

 

أعماقي تعيش الوحدة حتى وأنا أحيا ضمن دائرتي الاجتماعيَّة الواسعة، ومشاركتي لكل من حولي في أحلامهم وطموحاتهم وأمانيهم، ومقاسمتي لمشاكلهم واهتماماتهم، إلا أنَّه تأتي عليَّ فترة أشعر فيها بأنني وحيدة ولا أجد من يشاركني أفكاري وهمومي وهواجسي، من يسمعني ويفهمني. تمرُّ ساعاتي ببطء يستفز كياني، سنوات وسنوات، وأنا أتحمل المسؤوليَّة، سنوات نسيت عددها وأنا أعاني من الضغوط، ورغم ذلك واصلت مشواري صامتة محتسبة قانعة ومتقبلة واقعي. ماذا حدث لي الآن، وما الذي استجد من ضغوط جديدة جعلتني أتمنى الخروج عن ذاتي، والانفصال عن نفسي، والهروب من واقعي، فأنا أعي تماماً ما بداخلي، وأعرف نقاط ضعفي وقوتي، وأدرك تماماً جميع الضغوط الداخليَّة والخارجيَّة، وأستطيع أن أحدد كل نوع من أنواعها ومقاساتها وأحجامها وألوانها. أيعقل أن يصل بي الحال إلى هذا الحد، فأعماقي ثائرة وأفكاري تتصارع، مشاعري تتناثر في كل الاتجاهات، كل فكرة تجذبني في جهة، وتنتابني حالة من الضعف تشعرني أحيانًا بمدى فشلي حتى أصبحت أخاف الوحدة عندما تسدل أستارها على كياني، ويتفاقم إحساسي بمدى حاجتي لمن أتكلم معه وأناقشه وأحادثه ويشاركني الحديث، ويخفف عني بعض التوتر والقلق. بحثت في ذاكرتي عن وجه أستطيع أن أتكلم معه وأخرج ما بأعماقي لعل هذا التنفيس يخفف من ضغوطي، وبعد تفكير عميق اكتشفت ومع الأسف أنَّه لا يوجد، ليس لقلتهم، وليس لأنني لا أثق بهم، بل على العكس فعلاقاتي أكثر من رائعة، وصداقاتي لا حدود لها، لكنني تفحصت الوجوه ودرست النفوس ووجدت لا أحد منهم سيفهمني لسبب واحد، أنَّهم سيتعاطفون معي، ويتألمون لألمي، ولن أجد ما أبحث عنه. أريد من ينظر لمعاناتي من خارج الإطار، ويتعامل مع الموقف وليس مع شخصي، فمعظمهم لا يرون فيَّ إلا تلك الإنسانة التي تسمع وتتحمل وتتقبل وتعطي وتضحي، لم يروا يوماً ضعفي، ولم يشاهدوا مرة دموعي. 

فكرت كثيراً وحزمت أمري بأن أخلع عن نفسي رداء الاستسلام، وأتمرد على ذاتي، فعذابي لا يحسه غيري، ولا يشعر بعمقه سواي. نعم لن يساعدني أحد إلا نفسي، يجب أن أتقبل واقعي وأواجهه برضا، وأجتاز العقبات بمهارة، وأتحمل الهزات بصبر، وأقذف بآلام الماضي، وأهمل هموم الحاضر، وأقيد أشباح الحزن، وأتمسك بالأمل في رحمة الله. 

 فكيف غفلت عن باب ملك الملوك المفتوح طوال الوقت، كيف تناسيت أنَّه لا منجى ولا ملجأ إلا إليه، فسامحني يا ربي وأستغفرك وأتوب إليك، 

سأبدأ بخوض جولتي الأولى مع السعادة بطريقة مختلفة، فالحياة كما يقولون ميلاد جديد مستمر، وقد يولد الإنسان من جديد في أي مرحلة من مراحل العمر إذا صح عزمه، وصدقت نيته في تقويم نفسه، وتعديل أفكاره ومفاهيمه ورؤيته الخاطئة للحياة، وسأستعيد ثقتي في نفسي وقبلها ثقتي في خالقي.