بابلو بيكاسو.. بعد مرور 45 عاماً على رحيله مازال حديث العالم

اللوحة الأغلى في التاريخ لبيكاسو سيدات الجزائر- بيعت بمزاد علني ب 179 مليون دولار
3 صور

تمر اليوم الأحد 8 إبريل- نيسان الذكرى 45 لرحيل الفنان التشكيلي والنحات والرسام الإسباني الشهير بابلو بيكاسو مؤسس الحركة التكعيبية في الفن التشكيلي في أوروبا، وأحد أشهر الفنانين التشكيليين في العالم، والذي توفي عن عمر ناهز 91 في 8 إبريل-نيسان عام 1973 في فيلته رقم 35 في منطقة موجان- بفرنسا خلال تناوله العشاء مع أصدقائه وزوجته الثانية جاكلين روك، جراء معاناته لفترة طويلة من قصور في القلب ومشاكل في الرئة.

أربعة عقود ونصف عقد مرت على رحيل بابلو بيكاسو، ومازال يشغل عشاق فنه العبقري التقليدي في بورتريهاته للوجوه، والتكعيبي والكلاسيكي في لوحاته للنساء والأجساد الجريئة الواقعية، والنحتي حديث العالم والأوساط الفنية، هو الذي ولد في 25 أكتوبر 1881 في مالقة – إسبانيا في أواخر القرن التاسع عشر ليكون الطفل البكر الأول لوالده خوسيه رويز الذي كان يعمل أستاذاً للرسم والتصوير وأميناً لمتحف محلي وتعود أصوله إلى أسرة أرستقراطية رغم انتمائه إلى الطبقة المتوسطة الحال اجتماعياً ومالياً، والأم ماريا بيكاسو المؤمنة بعبقرية ابنها منذ كان في السابعة من عمره، فكانت تقول له دائماً: أنت ولدت لتمجد.

الأب يكافيء ابنه بيكاسو لتفوقه عليه بافتتاح معرض فني مبكر له

أما والده فلم يكتشف موهبته إلا متأخراً عندما أقدم بابلو بيكاسو في سن 13 عاماً في إتمام اسكيتش لم ينه والده رسمه بعد، وكان لحمامة، وحينما تفحص الأب تقنية ابنه بابلو في الرسم اكتشف تفوق ابنه عليه مع أنه هو الذي علمه أسس الرسم في طفولته، فزاد من اهتمامه بموهبته، وكافأه على تفوقه بالرسم فافتتح له معرضاً مبكراً لرسوماته في سن 13 عاماً.
وأسعد الحظ بابلو بيكاسو بإيمان والده وعمه بموهبته فأرسلاه إلى أكاديمية مدريد الملكية في سان فيرناندو، وهي أهم أكاديمية لفن الرسم في البلاد، وخيب بيكاسو أمل والده وعمه عندما لم يتحمل انضباط الدراسة ومواعيد المحاضرات سوى عام واحد فقط، وترك الأكاديمية دون مشاورة والده، فقد كانت روحه حرة لا تتقبل القيود أياً كانت.
وبدأ حياته الفنية برسم البورتريهات الواقعية التي فتنت المتفرجين عليها بتركيزها العالي وجاذبيتها التقنية في خطوطها وألوانها.

من الفنان الذي تأثر به بابلو بيكاسو كثيراً؟

تعرف من خلال دراسته فيها على أهم مدارس الفن التشكيلي والرسامين لكنه أبدى تأثراً كبيراً بالرسام اليوناني (إل غريكو) صاحب الألوان اللافتة، والأطراف الممدودة، والملامح الغامضة في رسوماته التي يغلب عليها الطابع الديني، والتي تأثر بها بيكاسو إلى حد كبير وظهر هذا التأثر في أعماله.

لم تبتسم له باريس في رحلته الأولى إليها

بدأت مرحلة جديدة في حياة بيكاسو عندما سافر عام 1900 إلى باريس، وقد وقع في عشق المدينة، واستقر في شقة مستأجرة مع صديقة الشاعر ماكس جاكوب، الذي ساعده في تعلم اللغة الفرنسية، لكن باريس عاصمة النور والثقافة لم تبتسم له في رحلته الأولى إليها فواجه صعوبات جمة فيها.
وقد مرت به ظروف اقتصادية صعبة اضطر فيها أن يحرق بعض لوحاته لكي يحصل على بعض الدفء في الفصل البارد، وفي تلك الفترة بدأ «بابلو» يوقع على لوحاته باسم «بيكاسو» بدلاً من «رويز واي بيكاسو».
ولكي ينجز معرضه الأول في باريس في سن 21 حبس نفسه في الغرفة لمدة شهر كامل، وكان ينام لساعات معدودة فقط، حتى ينجز ثلاث لوحات في اليوم الواحد بيده اليسرى التي كان يبدع فيها أكثر من يده اليمنى.
وكان معرضاً ناجحاً أثنى عليه النقّاد، حيث أظهر أسلوبه الفريد. وبرغم هذا النجاح لم يتحسن وضعه المادي.

بداية صعود بيكاسو في باريس

في عام 1904 بدأ الحظ يبتسم لبابلو بيكاسو في باريس حين حصل على المال اللازم لإنشاء أستوديو خاص به للرسم والتصوير، وكان قريباً من فناني المدينة الأكثر حداثة والكتاب ورعاة الفنون، وبدأ بيكاسو في هذا العام يجني ثمرة طموحاته واجتهاده وعبقريته الفنية.

أسلوب بيكاسو الفني انطلق في باريس من الأزرق الحزين للوردي المشرق

انعكس وضع بيكاسو المادي الصعب في تلك الفترة وتوتره النفسي في لوحاته، حيث طغى مزاج اللون الأزرق الشفاف البارد عليها، وعرفت تلك الفترة بـ الفترة «الزرقاء» وسيطر عليها اللونان الأزرق والأخضر في معظم لوحاته الفنية السوداوية المتماثلة مع نفسيته آنذاك، وكان يرسمها من رؤيته الخاصة للأحياء الفرنسية الفقيرة حيث أقام فيها لفترة، فرسم المنبوذين والمتسولين، والنساء الحزينات الشاحبات، والأطفال المرضى، والمسنين والمهزومين واتسمت أغلب لوحاته بسمات الكآبة والحزن كثيراً.
وفي عام 1905 تمرد بيكاسو على أسلوبه الفني فاتجه إلى منحى آخر، فاختفت الفترة الزرقاء وألوانها من لوحاته الجديدة، لتحل مكانها الألوان القرمزية والوردية والرمادية المشرقة في رسوماته للأجساد والمهرجين والوجوه والموسيقى والراقصين.

شهرة عصر التكعيبية

في عام 1906 أنتج بيكاسو أعماله الشهيرة ذات النزعة التكعيبية التي تأثرت بشدة بالفن اليوناني والإيبيري والإفريقي.
وبالإضافة إلى إسهامه في التلوين والرسم، أحدث بيكاسو أيضاً ثورة في فن النحت حيث أصبح يصنع عناصر مميزة في أعماله النحتية من مواده اليومية غير المرغوب فيها من المهملات والمستهلكات.
ويؤمن كثير من نقاد الفن أن ما كان بيكاسو يقوم به في تلك الفترة، يشبه إلى حد بعيد ما كان يفعله ألبرت أينشتاين في العلوم والفيزياء.

أشهر لوحات بيكاسو: الجيرنيكا

في عام 1937 أنجز بيكاسو أشهر أعماله على الإطلاق: (العشرين ألفاً)، وهي لوحة «الجيرنيكا» التي جسدت بشاعة الحرب الأهلية الأسبانية، فبعد القصف الوحشي الذي تعرضت له البلدة الصغيرة «جيرنيكا» بالطائرات الفاشية، رسم الفنان الأسباني الأصل الجيرنيكا كصرخة احتجاج؛ مما جعلها فيما بعد أحد أشد أعماله الفنية إدانة، بل إنها قد أصبحت رمزا فنيا يمثل أقصى ما يوحى به الرعب الناجم من الدمار في أي مكان.
ولوحة بيكاسو التي كان محورها هو تدمير مدينة جيرنيكا في منطقة الباسك، على يد القوات الألمانية مازالت مثيرة للمواقف المتباينة حتى الآن. فقد ظلت لسنين طويلة خارج أسبانيا، لرفض بيكاسو عودتها، طالما ظل الجنرال فرانسيسكو فرانكو في الحكم. وأخيراً في عام 1981 عادت الجيرنيكا، لتتخذ مكانها في متحف رينا صوفيا بمدريد.

لماذا لم يزين بيكاسو جدران منزله بلوحاته؟

وفي عام 1912 اقترب بابلو بيكاسو من أن يصبح مليونيراً من بيع لوحاته التي تباع كل واحدة منها بالملايين خلال حياته، وزادت قيمتها المادية أكثر بعد وفاته، وبدأ في تلك الفترة يعمل بخطة منهجية، وذلك برسم 5 لوحات رئيسية في سنة، ورسم اسكتشات ورسومات وصنع منحوتات خلال أسبوع عيد ميلاده.
وعندما سأله أحد الصحفيين عن سبب عدم تزيينه جدران منزله الخاص بلوحاته التي يتسابق متذوقو الفن والمشاهير والأثرياء على اقتنائها، ضحك بيكاسو وأجاب: لا أستطيع تحملها.

نهاية حياة بيكاسو

بحلول عمر 91 كان الفنان الأسباني بابلو بيكاسو قد أنجز أكثر من «30» ألف قطعة فنية بمعدل قياسي يشير إلى أنه لم يهدر أي يوم في حياته سدى بدون عمل. وكان وسيظل مصدر إلهام للآلاف من الفنانين الشباب والمعجبين بإرثه الإبداعي الفريد منذ كان طفلاً طموحاً في أسرته المتوسطة حتى أصبح من أكثر الفنانين تأثيراً ونفوذاً وأهمية في القرن العشرين.
والمحظوظ والأكثر ثراءً بمقاييس الفن الحديث هو الذي يمتلك إحدى لوحاته ويعتبرها أيقونة في حياته ورمزاً لعصر بيكاسو الذهبي المهم إنسانياً وفنياً الذي لا يتكرر.