المؤمن يأْلَف ويُؤْلَف

أميمة عبد العزيز زاهد

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يأْلَف ويُؤْلَف، ولا خير فيمن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف)؛ فالمؤمن يأْلَف لحسن أخلاقه وسهولة طباعه ولين جانبه، ولا خير فيمن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف لضعف إيمانه وعُسْر أخلاقه وسوء طباعه، إن الألفة عندما تسود في مجتمع؛ فإنها تكون عنصرًا من عناصر قوته، وهذا من مكارم الأخلاق التي أثمرت ثمارًا رائعة في حياة المؤمنين، وهي من سبب الاعتصام بالله وبحبله وبه يحصل الإجماع بين المسلمين، وبضِدِّه تحصل النفرة بينهم، وإنما تحصل الألفة بتوفيق إلهي؛ فكل منا له شخصيته وله مظهره الخاص، وله تركيبة معينة لنفسيته، وهذه النفسية تنطلق من منطلقات وتعتقد اعتقادات، تتميز بمبادئ وقيم وعادات وتقاليد معينة، لها أسلوب وطريقة تفكير في الحياة بطريقة مختلفة، ولو وجدت لها قواسم مشتركة مع الآخر، سيكون بينهما ألفة، وكلما زادت القواسم بين اثنين كلما زادت الألفة بينهما؛ فالألفة والارتياح والقبول تعتمد على حسن أخلاق الشخص، وكلما كان الشخص حسن الخلق في الأسلوب والتعامل مع الآخرين، كثر التجاذب حوله والعكس صحيح، هذا بالنسبة للتجاذب العقلي والمنطقي، أما تجاذب الأرواح فمنحة من الله؛ فهي مشاعر يصعب السيطرة عليها، مشاعر قد ترتقي بالنفس إلى أعالي السحب، وقد تهوي بها إلى سابع أرض، وهي سبب السعادة، وهي ذاتها سبب الشقاء؛ فهي تشعرك بأنك تعرف الآخر منذ وقت بعيد، لكن في الحقيقة أنكما التقيتما للتو، روحه تحمل نفس المشاعر، وقد تكون له نفس الخصائص النفسية والروحية والوجدانية، وقد يشبهك في آرائك ويتبنى نفس أفكارك، له نفس التفضيلات ونفس التحفظات، يكره ما تكره، يحب ما تحب، يقدر كلماتك وما تحس به، ينظر للحياة بنظرة تشبه نظرتك إلى حد بعيد، كأنه نسخة منك في مكان آخر، مخلوق من نفس الأفكار ونفس التطلعات، ويتعامل مع قلبك كأنه منحة إلهية عظيمة، وكلها آمال يرجى تحقيقها من خلال العثور على من يتناغم مع مشاعرنا، وتسمى مجازًا كيميائية الأرواح أو الأبدان، وهي في حقيقة الأمر، قواسم مشتركة بين طرفين، هذه القواسم المشتركة هي التي تجمع بينهما وتجعلهما متوافقين، أو بمعنى آخر منجذبين إلى بعضهما البعض، هذا التفاعل يولد شعورًا بالأريحية والأمان بين كلا الطرفين؛ مما يعطي انطباعًا بقوة وثبات العلاقة ورسوخها، على الرغم من حداثة بنائها أو نشأتها؛ فربما تستهوينا شخصية بعينها؛ فنميل إليها بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات؛ فنحن لا نتحكم فيها، وقد يكون بسبب تشابه الأفكار أو الأسلوب أو الوضوح، وفي حقيقة الأمر القضية لا تعدو إلا وهمًا جميلاً قد يتحقق أو لا يتحقق، ولكن في الغالب تكون العلاقة قوية لوجود تلك القواسم المشتركة.

عمومًا إن المحبة هي رأس مال المجتمع، وأجمل صُوَره تلك التي يتضح فيها الوئام والتلاقي بين أفراده، وهي طبيعة العلاقةِ المنشودةِ في ظلال هذا الدِّين، الذي يأمرنا بها ويُحذِّرنا من التباغض والتنافر، ويرصد الحوافز من عطاءِ الثواب للمتحابين في جلال الله في الدنيا والآخرة، وفي الحديث القدسي: قال الله -تبارك وتعالى-: (وجبَتْ محبَّتي للمتحابِّين فيَّ، وللمتجالسين فيَّ، وللمتزاورين فيَّ، وللمتباذلين فيَّ).. اللهم اجعلنا منهم.