السعادة الشرعية

أميمة عبد العزيز زاهد

 

إن الفشل في التجربة الأولى ليس معناه نهاية العالم، والفرصة الثانية من حق الجميع، وليس من الحكمة ولا العدل أن نحكم بالعزلة والوحدة على أي إنسان لا باسم الواجب والتضحية ولا باسم العادات والتقاليد، فإن لكل إنسان منا متطلباته وظروفه وحاجته الطبيعية لرفيق يسانده ويبادله المشاعر.
فلماذا يحكم بعض الأبناء على آبائهم بالحرمان وبالتهديد أو الغضب لو تزوجوا؟ ويقللوا ويستسخفوا من احتياجاتهم؟ ولماذا يهمل المجتمع ويتجاهل حق المطلقة أو الأرملة في الحياة بطريقة شرعية؟ لمجرد الأنانية أو لتحمل مسؤولية تربية أبنائها أو لكبر السن، فالمشاعر لا تعرف عمراً، والحياة لن تتوقف فمن حق أي فرد أن يتزوج على أن يكون الزواج عقلانياً ومدروساً بشكل جيد؛ لأن الفشل في مثل هذه الحالات له آثار نفسية خطيرة، خاصة إذا كان لا يوجد تفاهم بين المطلقين، وفي مثل هذه الحالات لا بد من تحكيم العقل والضمير لمحاولة تقليل الخسائر عن الأشخاص الأكثر ضررًا في هذه القضية وهم الأبناء، كما يجب أن يتقبل الأبناء الشريك الجديد، فوجود طرف غير مقبول قد يهدد وجودهم وحقوقهم، وقد يدفعون هم ثمن تحول حياتهم، فلا بد أن يكون الطرف الثاني عاملاً مسانداً وفعالاً للاستقرار، ومع الأسف علمت من خلال الرسائل التي تردني بأن معظم تلك الحالات تتراجع عن خوض التجربة الثانية بسبب رفض الأبناء أو الخوف من كلام الناس، مع أن كلام الناس لا يقوم على شرع أو منطق، وكم سمعت صرخة تدوي من أفواه سيدات تستغيث بألم صامت يئن في الأعماق، وفقدان الأمل في مستقبل مجهول، والعمر يمر ولا يترك إلا بقايا جروح تتذوق مرارتها وتتجرع آلامها، ولماذا نجرح مشاعر وأحاسيس أعز من لنا في حياتنا، لماذا؟ وليس من حقنا أن نحرم أي إنسان من الزواج مرة ثانية، مادامت لديه الرغبة في ذلك، وما دام يعطى لكل فرد اهتمامه، ولماذا ننكر عليه حقوقه واحتياجاته ورغباته؟ صحيح أن القرار خطير وأصعب بمراحل من الارتباط الأول لأسباب مختلفة ومتشعبة، وعندما تقرر المطلقة أن تقدم على الزواج عليها أن تحدد بينها وبين نفسها بكل وضوح وصدق الأسباب الحقيقية وراء رغبتها في الزواج، ففي بعض الحالات قد تقدم على الزواج الثاني لأسباب بعيدة عن الواقع دون التأني والتروي، إما هروباً من واقعها، أو إثباتاً لنفسها ومن حولها أنها مازالت قادرة على العطاء، ومازالت تتمتع بالشباب والحيوية والأنوثة، ومرغوب فيها، عليها أن تفكر بعمق تفكيراً مبنياً على العقل، فهناك فرق بين الاختيار الأول، والذي في الغالب كان اختيار الأهل حسب وجهة نظرهم، أما الاختيار الثاني يصاحبه فوارق متعددة، منها اختلاف السن والنضج والوعي، مع قلة الفرص المتاحة، وهناك اختلاف على ما قد تعودت عليه وآلفته في حياتها السابقة، ومقارنتها بالحياة الجديدة، بدءاً من أصغر الأمور إلى أكبرها؛ لذا يجب أن يكون اختيار عقل تبحث فيه عن سعادتها المشروعة، وعن قلب وعقل وحنان ودفء، يكون عوناً لها.