من فاز بماذا؟

نجاة غفران

 

لم يحاول أن يخفي سعادته وفخره وهو يأمر رجاله: "بسرعة.. وصل الجميع أليس كذلك؟ الكاميرات جاهزة؟ لا أريد تدافعًا ولا فوضى.. دعوهم يتقدمون للسلام عليّ.. ولكن بنظام.. هل فهمتم؟ لا أريد أن أختنق.. هيا.. لنخرج..".
كان يومه، وأي يوم..
لو فقط قبلت بأن تأتي معه، زوجته أفضل من يلفت الأنظار إليه، تعرف كيف تستولي على عدسات الكاميرات بلفتة، بنظرة، بابتسامة، عملها في عروض الأزياء علمها الكثير.. خسارة أن تصاب بوعكة هذا اليوم..
سرب من المناطيد بانتظاره، خارج الخيمة الفخمة التي تم نصبها وسط المرج الممتد حتى الأفق.
تقدم المدعوون المختارون بعناية لتحيته، رجال أعمال مثله، زبائن، مسئولون إداريون، رجال إعلام وصحافة.
حدق بعينيه المتخفيتين خلف نظارات سوداء ثمينة في الجمع، ولم يلمح منافسه الأقرب، طبعا.. لن يجرؤ على القدوم، خطف العرض من بين يديه، وقهره.
شركته ستنفذ صفقة القرن، المشروع الذي أسال لعاب كل القائمين على شؤون السياحة، برنامج رائد لتأسيس أول أسطول مناطيد في البلد، يحول السياحة الجوية إلى مغامرة مثيرة، يتنقل فيها الزبائن بين الجبال المغطاة بالثلوج والغابات الخضراء المعزولة عن العالم، والبحيرات المختفية بين التلال والصحاري الممتدة إلى ما لا نهاية، والشواطئ الشاسعة المحاذية للمحيط الهادر..
عرف كيف يفوز بالصفقة، العمل وحده لا يكفي.. المرء يحتاج للكثير من الخبث والخبرة، والسنون الطويلة التي قضاها في مصارعة ثيران السوق، علمته كيف يمزج الخاص بالعام، وينقض على فريسته في غفلة من منافسيه، وهذا ما جرى، أطلق سرب محققيه وجمع ما استطاع من معلومات عن اللجنة المكلفة بالملف، وترك أذرعه الأخطبوطية المالية تتكفل بالباقي، وتمهد له طريق الفوز بالصفقة.
كل منافسيه كظموا غيظهم وسكتوا.. ما عداه، راجي المسعودي الملعون، راجي الابن وليس الأب، الذي صمت وإن بدا حانقًا، الشاب الأرعن لم يترك قناة ولا صحيفة ولا موقعًا إلكترونيًا لم يقصده لبث سمومه فيه، وادعاء بطلان الصفقة. طبعا.. لم تغير ثرثرته سير الأمور، ولكن حركاته المستفزة بصمت بالسواد على خبر فوزه المستحق.
ولحسن الحظ.. لم يحضر.
وكأن هذا ما كان ينقص. 
نفذ رجاله أوامره وخلصوه بسرعة من محنة تقبل تحيات ضيوفه، وانطلق ليكون أول من يدشن أسطوله.
وزع المدعوون على باقي المناطيد وانطلق السرب في الأعالي باتجاه البحر. كان المنظر رائعًا يخطف الألباب، باقة بالونات ملونة تتهادى بخيلاء في سماء ربيعية صافية لم تطلع شمسها بعد، عدسات الكاميرات المتنقلة بين المناطيد تصور المدعوين، وتركز على موكب صاحب المشروع الذي يتطلع بفخر إلى المرج والغابات المحيطة والأفق البعيد، الذي بدأ نور الصباح يبزغ فيه ويشع ضياء يصعد ليغشى المكان بأسره.
ارتفع صوت المعلق الذي يصحب الجمع عبر المكبرات المزروعة في المناطيد، رحب بالحضور وهنأ صاحب الحفل، وتمنى النجاح لمشروعه وانطلق يثني على جمال طبيعة البلد وروعة تضاريسها.. وذكر بأن المناطيد ستحلق قريبًا فوق الشاطئ وتقوم بدورة شرفية فوق ضواحي المدينة قبل أن تعود إلى الخيام؛ حيث جهز بوفيه الصباح.
تحدث صاحب الحفل برهة عن مشروعه وهو يشير بيديه إلى البحر، وكأنه يملكه.. واقتربت المناطيد من ضواحي المدينة، وأمر الرجل بأن يحلق السرب فوق منزله الفخم المقام على تلة تشرف على المحيط، نفذ أمره على الفور وتم تغيير الاتجاه نحو مرتفع صغير يعلوه بناء حديث، فيلا رخامية باذخة مترامية الأطراف، تحيط بها حديقة واسعة ويتوسطها مسبح عملاق.
كانت الشمس قد أشرقت، وعم ضياؤها المكان.
حملق الجمع في المبنى الجميل، وانتفخت أوداج صاحب المشروع بفخر، وأمر بأن تركز الكاميرات على تفاصيل منزله.
تطلعت كل العيون، بما فيها عدسات الكاميرات، إلى الشخصين المتمددين على مقعدين قرب حوض السباحة بثياب العوم، ويداهما متشابكتان.
زوجة صاحب المشروع الحسناء، وابن منافسه الأرعن.