"كيد النِّساء".. تهمة يتداولها الرِّجال

عندما يحدث موقف ما بين رجل وامرأة يبرز فيه تغلُّبها عليه، فإنَّ الرَّجل بدون مقدِّمات يردد قول الله تعالى :" إنَّ كيدكنَّ عظيم" أو أعوذ بالله من خبث كيدك، وكأنَّه بذلك قد أثبت بالدَّليل القاطع أنَّه في عُنق كل امرأة قلادة شيطانيَّة تسمَّى الكيد، وكأنَّ القرآن أثبت هذه التُّهمة على بنات حواء.
سألنا المستشار الأسريّ والاجتماعيّ عبد الرحمن القراش عن معنى الكيد الوارد في القرآن الكريم، وتمثَّلت إجابته في السُّطور الآتية..

بدايةً يقول القراش: "ربط الرِّجال صفة "الكيد" بالنِّساء بهذا الشَّكل المغلوط لا أساس له من الصحَّة على الإطلاق، لذا سنلقي الضوء على لفظ الكيد وذكره في القرآن الكريم، حيث ورد بصور ومواضع مختلفة، وهي:
• "إنَّهم يكيدون كيدًا وأكيدُ كيدًا"، وهو كيد الكافرين للغواية، وكيد الله لهم بالاستدراج والعقوبة.
• "إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً"، أي أنَّ كيد الشَّيطان للإنسان مهما بلغ يكون ضعيفًا، وباستغفار الإنسان وصلاته وعمله الصَّالح فإنَّه يُضعف الشَّيطان ويقهره.
• "إنَّه من كيدكنَّ إنَّ كيدكنَّ عظيم"، بمعنى كيد المرأة للرَّجل، ويفسِّرها أغلب النَّاس تفسيرًا خاطئًا، فيطلقها كحكم قرآنيّ على جميع النِّساء، ويعتبر ما تقوم به أيّ امرأة من عمل، أنَّه يدخل في إطار الكيد، وهذا الرأي فيه اعتداء على الذَّات الإلهيَّة، ويُعدّ سوء أدب وفهم للقرآن بصورة خاطئة.

*ما قصَّة كيد النِّساء؟
يوضِّح القراش تفسير الآية الوحيدة في القرآن التي ذُكر فيها الكيد متعلقًا بالنِّساء، وهي الآية الواردة في سورة يوسف في الحديث عن امرأة العزيز، عندما اكتشف حاكم مصر في ذلك الزَّمان أنَّ زوجته تراود فتاها "سيدنا يوسف عليه السَّلام" عن نفسه، وحينما وجدت هذه المرأة أنَّ زوجها عند الباب، أصبحت في حيرة من أمرها وموقف لا تُحسد عليه، فقامت بالكذب والتَّحايل مدَّعيةً أنَّ يوسف عليه السَّلام هو من راودها وأراد فعل الفاحشة بها، وعندما احتكموا للعقل من خلال رؤية قميصه إن كان قدَّ من قُبل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قدّ من دبر فكذبت وهو من الصَّادقين، اتَّضحت الحقيقة بمشاهدة الجميع قميص يوسف عليه السَّلام الذي أظهر براءته.

فذكر القرآن الكريم اللفظ على لسان عزيز مصر "الزَّوج المخدوع" في قوله تعالى: "إنَّه من كيدكنَّ إنَّ كيدكنَّ عظيم"، ليبقى هذا قول الرَّجل في زوجته حول هذه الواقعة المحددة، وليس حكمًا قرآنيًا على الإطلاق، بحيث يأتي رجال هذا القرن ليصفوا النِّساء بأنهنَّ صاحبات كيد مستشهدين بهذه الآية القرآنيَّة رغم أنَّها لا توضِّح لنا سوى أنَّ أيّ امرأة قامت بعمل امرأة حاكم مصر في ذلك الزَّمن هي ذات كيد، أمَّا التي لم تقم بذلك العمل فلا يوجد ما يجعلنا ننسب الكيد إليها.

الكيد بصورة أخرى
يرى القراش أنَّ للمرأة سلاحًا آخرًا غير الكيد، وهو ما يسمَّى بالذَّكاء العاطفيّ الذي يعدُّ صفةً محمودةً تُضيف إليها لا تنتقص منها، ويوضِّح ذلك قائلاً: يُعتبر تركيب المرأة العقليّ والعاطفيّ متحكمًا بالشَّق الأيمن من رأسها، وهو ما يقوم عليه نمط حياتها كلِّه، فتصرُّفاتها وانفعالاتها وضحكها وبكاؤها عاطفيّ، ونحن نعلم أنَّ كلّ أنثى امرأة، وليست كل امرأة أنثى، فالأنثى الحقيقيَّة هي من توازن بين عاطفتها وعقلها، لتنتج لنا "روح أنثى حقيقيَّة"، وعندها يكون معدَّل الذَّكاء العاطفيّ أكبر من المرأة التي تحكم فقط بعقلها في كل شيء أو قلبها في كل شيء، إذًا حجَّة الرِّجال بأنَّ النِّساء ذوات كيد داحضة؛ لأنَّ كيدهنَّ إن صحَّة التسمية هو "ذكاء عاطفيّ" يمكِّنها من التصرُّف الحكيم الواعي في المواقف المختلفة، بحيث لا تغلب ولا تقهر من سواها.

من الأقوى؟
وعن هذا السُّؤال: هل الرَّجل أقوى أم المرأة من حيث الكيد والقهر؟ يُجيب القراش بأنَّ المرأة ضعيفة جدًا أمام جبروت الرَّجل، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- تعوذ من قهر الرِّجال، ولم يرد عنه أنَّه تعوذ من كيد النِّساء، فالمرأة والرَّجل وجهان لعملة واحدة، وهي التَّكامل وليس التَّناظر.