مؤيد الشيباني يعيد إحياء الخَضر والكندي وأبو شهاب

2 صور

قراءة جديدة لسيرة وموروث شعراء كبار من الإمارات يعتبرون رموزاً من الواقع الثقافي المحلي، لكل منهم سيرته وتجربته الخاصة، وكل منهم ترك بصمة مميزة على المشهد الثقافي في فترات زمنية مختلفة. فقد صدرت ثلاثة كتب عن دار الكتب الوطنية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، للكاتب الشاعر والإعلامي العراقي «مؤيد الشيباني»، ويحمل الكتاب الأول عنوان «راشد الخَضر، قصيدة اللهجة ورموزها المكانية» والكتاب الثاني بعنوان «أحمد بن علي الكندي المرر، صورة المكان وسيرة القصيدة». أما الكتاب الثالث فهو بعنوان «حمد خليفة أبو شهاب، الشعر والتوثيق والموقف».

حق الخضر
في تقديمه لكتاب «راشد الخَضر، قصيدة اللهجة ورموزها المكانية» يقول المؤلف «إن من حق الخَضر «1905-1980» على الأجيال اللاحقة أن يخرجوه إلى حيز واسع في مجال التراكم القرائي العربي، بحيث لم يعد مجرد شاعر عامي خاص ببقعة جغرافية محدودة، إنه لائق بكل هذا الحضور الواسع في المشهد الشعري العامي العربي، ولدى «راشد الخَضر» قيمة إبداعية عالية باشتغاله التلقائي على تجديد المضامين في ذلك الوقت، وابتكاره القوافي الصعبة، والاشتقاقات اللغوية، واستخدام الرموز بكل أبعادها التاريخية والمكانية والأسطورية والدينية..»

أبعاد تجديدية
ويصف «الشيباني» في كتابه الأبعاد التجديدية في شعر «الخَضر» العامي، عبر تعريفه بالقصيدة الشعبية في الإمارات، والتي يعتبرها حاضنة لفكر أهل البحر والصحراء، ثم يستعرض قصائد الشاعر من مدن الاغتراب العديدة التي تنقل بينها، من مدن: خليجية وأفريقية وآسيوية، إلى جانب موطنه الأصلي في عجمان والمدن الأخرى في بلاده، ويخصص المؤلف قسماً من الكتاب يتناول به الأساطير والأحداث والرموز التاريخية التي استلهمها الشاعر في قصائده، ويتتبع خصوصية المكان كما تظهر في قصيدة «الخَضر»، الذي عمل على بلورة لهجته الشعرية الخاصة.

انتشار الأغنية الإماراتية
يكشف المؤلف في كتابه الثاني «أحمد بن علي الكندي المرر، صورة المكان وسيرة القصيدة» طبيعة الحياة في محاضر «ليوا» في المنطقة الغربية من إمارة أبوظبي، في أربعينيات القرن الماضي عبر سرد سيرة الشاعر الذي ولد في محضر «عتّاب» عام 1940، حيث عاش حياة صعبة تزامنت مع ما قبل وأثناء التحول التاريخي للمنطقة، فعاش يتيم الأب، ودخل السجن؛ لوفاة رجل كان معه في حادث سيارة، وعمل في شركات التنقيب عن النفط، فانعكس ذلك على بناء قصيدته، وتميز بتجربة روحية مختلفة، فكان ممن أسهم بوضوح في انتشار الأغنية الإماراتية من خلال نصوصه المفعمة بالبساطة وأسلوب السهل الممتنع، وشكل ثنائياً فنياً مع الفنان الراحل «جابر جاسم» في منتصف السبعينيات، لا سيما في الأغنية الأكثر شهرة «سيدي يا سيد ساداتي» فكانت قصيدته تخرج من أعماق تجربة مليئة بالنبض الإنساني والمعايشة الحقيقية لتفاصيل الحياة، كما أنه من أبرز العازفين على آلة الربابة، وبذلك يعد «الكندي» من جيل الشعراء المجددين في القصيدة الشعبية في الإمارات رغم قصر رحلة حياته، إذ عاش حتى سن الـ45 تقريباً.

الشعر والتوثيق
وفي كتاب «حمد خليفة أبو شهاب، الشعر والتوثيق والموقف» يتناول المؤلف حياة الشاعر والباحث والمحقق المولود في عجمان عام 1932، والذي بدأ بكتابة الشعر وهو في التاسعة، وظل محافظاً على القصيدة العمودية طوال عمره، سواء في شعره النبطي أو الفصيح. وينتمي «أبوشهاب» إلى جيل الثلاثينيات الذي كان قريباً في ثقافته من جيل المثقفين الأوائل، ممن اهتموا بالتاريخ العربي. وقد دأب حتى رحيله في 2002 على المزيد من العطاء الثقافي، وترك نتاجاً جليلاً ومتعدداً.
يبدأ المؤلف كتابه برصد ملامح البيئة الشعرية في الإمارات بداية القرن الماضي، والتي ساهم في تشكل أحد مراحلها «أبو شهاب»، سواء عبر شعره باللغة العربية الفصحى أو باللهجة العامية، إلى جانب منجزه في البحث في التراث والتاريخ، وكتابة المقالة والإشراف الصحافي، وتنسيق وإعداد البرامج الثقافية، حيث وضع أكثر من عشرين كتاباً بين التأليف والجمع والتوثيق. ويتتبع المؤلف بدايات «أبو شهاب» حيث قصائد البشارة بتولي المغفور له الشيخ «زايد بن سلطان آل نهيان» مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي سنة 1966، ومن ثم قصائده التي يوثق فيها تفاصيل الحياة في تجربة البناء والخير والعطاء، ويقتفي أثر الصوت العربي في شعره، الذي يجول في فضاءات القضايا العربية الكبرى، وجهوده في توثيق التجارب الفردية المتميزة، ولفتاته عن المدن والمواقف والبطولات.